الشبيبة الحزبية وتحديات تجديد الفعل السياسي: من التبعية إلى الفاعلية


0 334

الدكتور عبد الله الحرشي
مقرر اللجنة الأمازيغية بحزب الأصالة والمعاصرة

مقاربة أولية: الشبيبات الحزبية وأزمة الهوية

تعد الأحزاب السياسية من أهم الوسائل التي تربط بين الدولة والمجتمع، حيث يفترض أن تكون الجسر الذي يعبر من خلاله المواطنون عن إرادتهم، ومع ذلك، فإن العمل الحزبي في العديد من الأنظمة السياسية يعاني من أزمة هيكلية وفكرية جعلته عاجزًا عن أداء دوره، خاصة في تمثيل احتياجات الشباب، الذين كانوا تاريخيًا القوة الدافعة لأي تحول سياسي، واليوم، يبدو أن الشباب إما غائبون عن الفعل السياسي أو متفرجون عليه.

ومن الأسباب الرئيسية لهذا العزوف هو أزمة الثقة تجاه الأحزاب، بسبب غياب التجديد داخل التنظيمات الحزبية وتحول العمل الحزبي إلى مجرد عملية مصلحية وانتخابية. هذا الأمر أدى إلى انغلاق الأحزاب، مما خلق بيئة غير مشجعة للمشاركة؛ في هذا السياق، تظهر الشبيبات الحزبية كأداة لإعادة بناء العلاقة مع الجيل الجديد، بهدف إحياء الأمل في إمكانية التغيير من داخل التنظيمات.

إلا أن هذه الشبيبات نفسها تعاني من أزمة هوية، حيث تحولت إلى ملحقات بيروقراطية تكرس التبعية للقيادات الحزبية وتفتقر إلى التجديد الفكري والتنظيمي، مما يجعلها أدوات حشد انتخابي بلا تأثير فعلي على اتخاذ القرار، وهذا ما يثير تساؤلًا: هل الشبيبات الحزبية قادرة على أداء دورها في ظل هذه الأزمة؟ وهل يمكن للشباب أن يجدوا في العمل الحزبي طريقًا للتغيير، أم أن ذلك يحتاج إلى تجديد داخلي على المستوى الفكري والتنظيمي؟

إجابة على هذا السؤال، يجب أن يتم تجديد الفعل السياسي في المغرب من القاعدة والشبيبات الحزبية وليس فقط من القيادات العليا، كما ينبغي أن تتحول الشبيبات إلى فضاءات حيوية تساهم في صياغة الفكر السياسي وتنفيذ السياسات، وتعزز الثقة بين الشباب والأحزاب، ولتحقيق ذلك، يجب أن تتحرر الشبيبات من التبعية للقيادات الحالية وتعتمد منطقًا نقديًا وبنائيًا.

وفي ذات السياق، تبرز مبادرة “جيل 2030” التي أطلقها حزب الأصالة والمعاصرة كمدخل محتمل لتجاوز أزمة الهوية داخل الشبيبات الحزبية، وبدء مسار تجديد فعلي ينطلق من القاعدة نحو إعادة بناء الثقة في العمل السياسي.

مقاربة في التبعية: حين تتحول الشبيبة إلى جهاز وظيفي لا سياسي

الأزمة التي تعيشها الحياة الحزبية في المغرب لا تقتصر على الهيكلية والفكرية فقط، بل تشمل أيضًا الشبيبات الحزبية التي فقدت دورها الأساسي في تعزيز المشاركة السياسية للشباب، ففي البداية، كانت الشبيبات تمثل فضاءات نشطة لتطوير القيادات الشابة، حيث كان الشباب ينخرطون فيها بهدف التجديد والفكر النقدي، لكن مع مرور الوقت، وبتأثير البيروقراطية المركزية، تحولت الشبيبات إلى أدوات تنفيذية تابعة للقيادات العليا، فاقدةً استقلاليتها وقدرتها على التأثير في السياسة الحزبية أو اتخاذ القرارات الاستراتيجية.

هذا التحول جعل الشبيبات مجرد أدوات حشد انتخابي موسمي، تفتقر إلى القدرة على تقديم تجديد فكري أو سياسي، فبسبب التبعية للقيادات، فقدت الشبيبات القدرة على الابتكار أو تقديم حلول جديدة تواكب تطلعات الشباب، كما أن غياب الديمقراطية الداخلية داخل الأحزاب قلص قدرة الأعضاء على اتخاذ قرارات مستقلة، مما جعل الشبيبات تشعر بالعزلة عن القضايا الشبابية.

على الرغم من هذه التحديات، بدأت بعض التحولات الإيجابية تظهر، أبرزها مبادرة “جيل 2030” التي أطلقها حزب الأصالة والمعاصرة التي تسعى إلى إعادة الاعتبار لدور الشبيبة باعتبارها فاعلاً حقيقيًا، وتحاول كسر النمط البيروقراطي القديم من خلال استشراف المستقبل وتعزيز المشاركة الشبابية، وبذلك، تمثل “جيل 2030” خطوة نحو إعادة بناء العلاقة بين الشبيبة والحزب على أساس التمكين والمشاركة الاستراتيجية بدل التبعية الظرفية.

مقاربة في البناء: الشبيبة كرافعة لإعادة المعنى للفعل السياسي

لكي يتحقق تجديد الفعل السياسي في المغرب ويحدث تحول حقيقي في العمل الحزبي، يجب إحياء دور الشبيبات الحزبية، التي تعد من الأعمدة الأساسية لأي إصلاح سياسي عميق. فالشبيبة، بفضل قربها من الشباب وتطلعاتهم، يمكن أن تكون منصة لإعادة بناء الثقة وتجديد الفكر السياسي والتنظيمي داخل الأحزاب، شرط أن يكون هذا التجديد قائمًا على رؤية فكرية وهيكلية متكاملة، لا مجرد تجميل موسمي.

فالفعل السياسي اليوم بحاجة إلى نقلة نوعية تبدأ من الشبيبات التي يجب أن تتحول إلى فضاءات حرة للإبداع والنقاش، بعيدًا عن القيود البيروقراطية، إذ لا يمكن تصور شبيبة فعالة دون فسح المجال لأفكار جديدة وقدرة على طرح البدائل، مما يتطلب تفكيك أنماط التبعية وبناء نموذج جديد للمشاركة الشبابية.
تبدأ هذه الرؤية في التجسد من خلال بعض المبادرات التي تتجاوز التبعية التقليدية، ومن أبرزها كما قلت مبادرة “جيل 2030” التي لا تقتصر على تنظيم المشاركة الشبابية، بل تهدف إلى إعادة بناء دور الشباب كقوة اقتراحية وتنفيذية، من خلال الاستشراف وتمكينهم فكريًا ومؤسساتيًا داخل الحزب كما تبدو إلى الآن.
“جيل 2030” تعتمد على انطلاق المبادرة من القاعدة، بعيدًا عن الولاء التنظيمي، وتسعى إلى تأسيس بنية دائمة لصناعة القرار الشبابي، وتمكين الشبيبة من قيادة مشاريع سياسية وتنظيمية تتماشى مع تحولات المجتمع المغربي. المبادرة تمثل إجابة عملية على سؤال التجديد وتجاوز للوضع المأزوم في الحياة الحزبية، وهي تسعى لإعادة المعنى للعمل السياسي من داخل الشبيبة، كمركز حيوي لرسم مسارات التجديد الحزبي.

أي تجديد حقيقي يجب أن يبني مشروعًا شبابيًا متكاملًا يربط بين المعرفة السياسية والقدرة التنظيمية، مع الانفتاح على الحركات الاجتماعية الحديثة التي تتعامل مع قضايا مثل؛ التعليم والبيئة والتكنولوجيا والتحول الرقمي والمساواة… ولتحقيق ذلك، يجب ضمان استقلالية الشبيبة في التفكير والمبادرة، ودعم حزبي فعلي لهذه المبادرات، بما يشمل حوارًا داخليًا يربط بين التجربة والطموح، وبين الحكمة السياسية وروح الابتكار.

مقاربة ختامية: نحو أفق سياسي جديد مع مبادرة “جيل 2030”

إن مبادرة “جيل 2030” ليست مجرد تصور تنظيمي داخل حزب الأصالة والمعاصرة؛ إنها نموذج عملي وتجريبي يعكس تحولًا عميقًا في الوعي السياسي الشبابي، فهي لا تمثل فقط حركة داخلية، بل لحظة سياسية جديدة تطمح إلى تحرير الشبيبة من موقع التبعية التقليدية، ودفعها نحو الفاعلية السياسية المستقلة والمبادِرة.

تقوم هذه المبادرة على فكرة جوهرية: أن الشباب يجب أن يكونوا شركاء حقيقيين في التأسيس السياسي، لا مجرد أدوات أو زخارف تُستدعى عند الحاجة. فجِيل 2030 لا يتبع الطرق التقليدية، بل يسعى إلى إعادة صياغة أدوات الفعل السياسي بناءً على معطيات الواقع ورهانات المستقبل، بعيدًا عن الإرث التنظيمي المترهّل الذي يكبّل التجديد.
وفي سياق الجواب على التساؤل المطروح في المقاربة الأولى، فإن مبادرة “جيل 2030” تمثل ملامح التحول المأمول في العمل السياسي، من موقع التبعية إلى أفق البناء والتجديد، من خلال إعادة تعريف دور الشبيبات الحزبية، فهذه المبادرة تدعو إلى استعادة المعنى في العمل السياسي، عبر ترسيخ قيم التفكير النقدي، والإبداع، وتجاوز الممارسات البالية التي تُبدد الطاقات وتغلق أبواب المبادرة.

وفي هذا الإطار، يضع جيل 2030 نصب عينيه تجاوز الأشكال الفولكلورية للعمل الحزبي، ويشدد على ضرورة خلق بنيات حاضنة للتكوين والتأطير الديمقراطي، تتيح بروز قيادات شابة قادرة على الإصغاء لمجتمعها، وتمتلك أدوات التحليل والاستشراف، إنها ليست مجرد محاولة لتحقيق المصالحة بين الأجيال، بل استجابة لحاجة وطنية إلى استنهاض طاقات الشباب، وتمكينهم من الانتقال من موقع المتلقي إلى موقع المنتج السياسي الفاعل.

وما يميز “جيل 2030” إلى الآن أنه لا يراهن على التغيير من خارج المنظومة، بل يسعى إلى التجديد من داخل البنى السياسية القائمة، والرهان هنا ليس على الأرقام أو المؤتمرات، بل على بناء نخبة شابة مسؤولة، قادرة على الإبداع، والمراكمة، والتغيير؛ نخبة لا تبحث عن المجد الفردي، ولا عن وجاهة ظرفية، بل عن فعل سياسي ملتزم، ومتجدد، ومتفاعل مع نبض الواقع.

في نهاية المطاف، جيل 2030 ليس مجرد رؤية سياسية لشبيبة حزب بعينه، بل هو دعوة وطنية لإعادة تشكيل المشهد السياسي على أسس جديدة: تقوم على التكوين، والحرية، والمسؤولية. إنه فعل تأسيسي، طموح، يراهن على أن يكون الشرارة الأولى لظهور جيل سياسي جديد يشتغل من الداخل، بمفاهيم عميقة، وبإرادة قوية على التحدي، بعيدًا عن منطق إعادة إنتاج الرداءة.

لكن، أليس من المشروع، بل من الواجب، أن نطرح تساؤلًا ملحًا حول مستقبل هذه المبادرة؟ ألا يستحق جيل 2030، رغم نُبل أهدافه، رقابة نقدية تقيه من أن يسلك نفس المسارات التي ابتلعت مبادرات سابقة انتهت إلى التآكل التنظيمي؟ فهل نبالغ إذا خفنا من أن يقع، هو الآخر، في فخ التبعية التي وُجد لمناهضتها، وأن يفقد تدريجيًا وهجه النقدي، واستقلاليته، ويتحول إلى أداة تكميلية تُجمّل الواجهة الحزبية دون أن تلامس جوهر التحول؟ إن الرهان الحقيقي لا يُقاس بالشعارات ولا بالنوايا، بل بالقدرة الفعلية على التأسيس لممارسة سياسية شابة، مستقلة، واعية، وفاعلة، قادرة على أن تكون صوتًا جديدًا لا صدى لما قبله.

فهل ينجح جيل 2030 في هذا الرهان، أم أن مصيره سيكون الانضمام إلى أرشيف المبادرات التي بدأت واعدة وانتهت بلا أثر؟
الجواب سيكون غدًا… وإن ناظره لقريب، فالفعل السياسي لا يُقاس بالنوايا، بل بما تتركه المبادرات من أثر، وفي السياسة، وحدهم الفاعلون يكتبون التاريخ، لا المتفرجون.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.