ثورة النساء الناعمة
تقتضي النجاحات المتكررة للمرأة في العديد من المجالات داخل المجتمع المغربي، مساءلة حقيقية وحفرا جينيالوجيا على الأسس التي تنبني عليها أدلوجة التفوق الاجتماعي للذكر ؛ أي في الحاجة اليوم إلى مقاربة نقدية تعمل على تقويض ركائز الدلالات والقيم المرتبطة بالمذكر مقارنة بمثلها المتعلقة بالمؤنت. إن هذه الإنشاءات الاجتماعية لعلاقة السلطة بين المذكر والمؤنت التي يتم الاشتغال على إنتاجها اجتماعيا، وعلى الاستمرارية في إعادة إنتاجها بشكل دائم، غايتها دوما هي تكريس الهيمنة الذكورية.
هذه الأدلوجة نرى أنه تتم تعريتها اليوم بطريقة هادئة على مستوى الواقع الاجتماعي، وعلى مستوى الحقول الاجتماعية المتعددة التي برهنت بلغة واضحة عن التفوق الأنثوي خاصة في تلك التي كانت إلى وقت قريب خاصية ذكورية. وهذا الوضع ولد مقاومة ذهنية تحاول الحفاظ على نفس الوضع بالرغم من أُفُول كل المبررات على مستوى الواقع المادي.
إن المرأة تعاني باستمرار من التضييق الممارس عليها اجتماعيا مقارنة بالرجل؛ لقد تدخل المجتمع في العديد من المرات من أجل إعادة ترتيب علاقتها بالزمان والمكان انطلاقا من جسدها، فكلما برزت ملامح أنوثتها كلما تدخل المجتمع لرسم جغرافية حركتها الجديدة وتدشين مسلسل إقصائها من الحياة العامة خاصة في المجال القروي. فكم من مرة يتم حرمانها من متابعة دراستها خوفا من جلب العار إلى مؤسسة الأسرة، وكذلك الأمر بالنسبة للفضاءات التي يتم حرمانها من التواجد فيها إلا في حالة وجود ظرف قاهر. إنه إقصاء ممنهج وإبعاد عن السلطة المعرفية والإقتصادية وغيرها، تحت ذريعة حمايتها. إن المفارقة الغريبة التي يكتسيها هذا الموضوع هي كون المرأة تعمل – بعدما أن تم تدجينها – على توفير الشروط اللازمة لإعادة إنتاج نفسها اجتماعيا.
فمن بين المجالات التي استطاعت المرأة أن تتبث من خلالها أن وضعيتها مقارنة بالرجل ليست قدرا بيولوجيا، وإنما هي بناء اجتماعي فقط، نجد مجال العمل. فلطالما تم تقسيم العمل داخل مجتمعنا بناء على الجنس، بحيث أن عمل الرجل مغايرا عن عمل المرأة، من حيث كون الأول يقترن بكل ما له علاقة بالإنتاج في حين أن الثاني يتم حصره في دائرة إعادة الإنتاج. لذلك كانت هناك أعمال خاصة بالرجال وأخرى خاصة بالنساء. هذا الوضع لم يعد مقبولا اليوم، بحيث نلاحظ أن هذا التقسيم الجنسي للعمل بدأ يتراجع بشكل كبير، بواسطة المجهود الملحوظ التي تقدمه المرأة في العديد من أنواع العمل وخاصة تلك التي كانت حكرا على الرجال، ليتم تدشين مسلسل تراجع الإيديولوجية الطبيعية التي ترجع مفعول الممارسات الإجتماعية إلى القدر الطبيعي.
عمل علماء الإجتماع على التمييز بين الجنس، كمعطى طبيعي، وبين النوع، كبناء اجتماعي متغير، يتم الفعل فيه من خلال توجيه أفراد المجتمع نحو نماذج الذكورة ونماذج الأنوثة. وهنا تشتغل البنية الإجتماعية باعتبارها واقعة اجتماعية تمارس اكراها خارجيا بالمعنى الدوركايمي ( إميل دوركايم، عالم إجتماع فرنسي) على المرأة، من أجل سلب الإعتراف بها اجتماعيا على ضوء الأدوار العديدة التي تقوم بها. إنها ممانعة اجتماعية منظمة لمصادرة حق المرأة في إنتاج شروط تحررها بدل إعادة إنتاج شروط تبعيتها واستيلابها. وهنا خطورة الأمر لا تكمن في خسارة المرأة لوضعها الغير المقبول مقارنة بحجم حضورها، بل في الخسائر المهولة التي يتكبدها المجتمع من جراء ذلك. لذلك فهذا الواقع المزيف لا يمكن له أن يصمد أمام إصرار المرأة ونضالها من أجل الدفع عمليا وواقعيا بعملية التفكير في إملاءات السيناريوهات الإجتماعية قبل القبول بها بشكل تلقائي.
إن ضرورة التنبيه إلى وضعية المرأة داخل مجتمعنا، لا ينبغي فهمه في إطار محاولة التضييق على الرجل أو النيل من حريته، بل في إطار الثمار التي سوف يجنيها المجتمع إذا ما حصل الوعي اللازم من طرفه لذاته، إذ في تحرير المرأة كقوة – أساسية ومؤثرة – تحرير لمجتمعها. فما ينبغي أن تحذره النساء هو الابتعاد عن الإنخراط في محاربة بعضهن للبعض تحت مسميات عديدة وإنشاءات ذهنية خططت لها نرجسيه المجتمع الذكوري، بل عليهن أن يناضلن من أجل تقديم الدعم والمساندة لكل تلك الإرادات – الانفلاتات- المتمردة على الطابوهات التي يرسمها المجتمع من أجل تبرير الهيمنة… نحن اليوم في حاجة إلى قيادات نسائية سياسية وقيادات حكومية لمستقبل بلادنا…. وهذا أمر غير عسير؛ فالمرأة تشكل اليوم قطب الرحى في العملية السياسية سواء في القرى أو المدن وكل مداخل العملية السياسية هي بيدها؛ فكيف لها أن لا تقوم بثورة المؤنث خلال المحطة المقبلة وتدعيم إمرأة لكي تكون على رأس الأحزاب السياسية؟ ولكي تكون على رأس حكومة بلادنا؟ آليس من حقنا جميعا أن نجرب إمرأة على رأس حكومة بلادنا بعدما أن جربنا العديد من الحكومات بلغة المذكر؟
إن مصادرة كل أشكال التمييز والإقصاء ضد المرأة، سوف لن يخسر فيه المجتمع سوى قيوده من أجل الانعتاق من مخالب الجهل والتخلف والأمية.
جمال مكماني