حزب الأصالة والمعاصرة: سبعة عشر عاماً من البناء ، حين يلتقي البياض الشفاف بزرقة الثبات*

0 435

في عالم السياسة، كما في عالم الرموز، نادرًا ما يستمرّ الضوء في السطوع إذا لم يكن منبثقًا من جوهر صلب. وحزب الأصالة والمعاصرة، منذ أن أبصر النور في 8 غشت 2008، ظل وفيًّا لرمزيته الثنائية التي تختزل كل فلسفته: أبيض يشع بالوضوح، وأزرق يرمز إلى الثبات. وفي هذا العالم، هناك من يُطلّ عابرًا، وهناك من يختار أن يكون من النّسّاجين الكبار، الذين يطرّزون المستقبل بخيوط الرؤية والعمل. ومنذ نشأته، اختار حزب الأصالة والمعاصرة أن يكون من الفئة الثانية؛ حاملًا مشروعًا سياسيًا متميزًا، يُؤمن أن الجدية ليست ترفًا، وأن بناء الثقة يبدأ من الوضوح الأبيض ويمتد إلى ثبات الأزرق، ذاك اللون الهادئ في ظاهره، الصلب في جوهره، الذي لا يعرف التراجع.

وما بين بياض الشفافية وزرقة العمق، نسج الحزب هويته السياسية المتفرّدة، فجعل من الأصالة جسرًا نحو الجذور، ومن المعاصرة نافذةً على المستقبل. لم يكن التأسيس مجرد إعلان تنظيمي فقط، بل موقفًا فكريًا ومشروعًا وطنيًا، يستجيب لحاجة المجتمع المغربي إلى عرض سياسي جديد، عقلاني، حداثي، يؤمن بالمؤسسات، ويحترم الفعل الميداني.

وعلى امتداد سبعة عشر عامًا، ظل الحزب وفيًّا لهذا التوجّه، يقود تحوّلاته برويّة الاستراتيجي، ويتقدّم بثقة من لا يغريه بريق اللحظة، بل يحركه الأمل في مغرب أكثر عدالة وتوازنًا. فقد تحوّل الحزب من قوة فتية إلى فاعل محوري في الحياة السياسية الوطنية، مؤثرًا في هندسة القرار العمومي، ومنتجًا حقيقيًا للأفكار والمشاريع داخل المؤسسات.

ولم يكن هذا المسار ليتحقق لولا كفاءات وازنة طبعت مسيرة الحزب، خصوصًا على مستوى التنظيم الداخلي، حيث برزت جهود مكثفة في إعادة الهيكلة، وتأطير الطاقات الصاعدة، وتوسيع القاعدة القاعدية على أسس متينة من الانضباط والفعالية. لقد أدركت القيادات الحزبية، منذ وقت مبكر، أن قوة الحزب لا تأتي من صوته المرتفع، بل من انتظامه الداخلي وانسجامه الهيكلي، فحرصت على أن يكون التنظيم وسيلةً للتماسك، لا مطيّةً للتنازع.
وعلى مستوى التدبير العمومي، تميزت قيادات الحزب بتجربة نوعية في قطاعات حيوية تمس الشأن اليومي للمواطنين، من خلال إطلاق مشاريع تنموية كبرى، مكّنت شريحة واسعة من المواطنين من تحسين شروط العيش الكريم، وأعادت الاعتبار للمجالات الهشة، مستندةً إلى رؤية استراتيجية، ومرتكزة على الحكامة والفعالية في الإنجاز. فحزب الأصالة والمعاصرة سواء من موقع المعارضة أو الأغلبية، ظل يُنتج المعنى، ويُراكم الفعل، ويؤمن بأن التغيير الحقيقي يتم عبر المؤسسات لا عبر ضجيج المنابر.

ولعلّ ما يميّز حزب الأصالة والمعاصرة هو أنه، رغم الحملات المغرضة ومحاولات التشويش، لم يسقط في فخ الردود العقيمة، بل آمن دومًا بأن البياض لا يتأثر بمحاولات التلطيخ، وأن الأزرق لا يرتبك أمام العواصف، لأنه لون البحر العميق، رمز الاتساع والهدوء والثقة بالنفس. لذلك ركّز حزب الأصالة والمعاصرة على ما يُجيد فعله: الإنجاز، العمل، التأطير، والحضور الوازن.

إن الذكرى السابعة عشرة لتأسيس الحزب ليست لحظة احتفاء فقط، بل مناسبة للتأمل في منجزٍ سياسي أصبح راسخًا. فقد استطاع الحزب أن يُرسّخ حضوره في الجماعات الترابية، أن يُساهم في صياغة السياسات العمومية، وأن يُواكب تطلعات المغاربة في قطاعات حيوية مهمة.

وإذا كان البياض في شعار الحزب هو التزام أخلاقي، فإن الأزرق هو رمز لقوة الهدوء وصلابة التخطيط. وما بينهما، خطّ الحزب صفحات من الفعل السياسي الرصين، بعيدًا عن المزايدات، قريبًا من واقع الناس، مخلصًا لفكرة أن السياسة ليست مهنة، بل التزام ومسؤولية.

ولأن السياسة في جوهرها فن الإصغاء والتفاعل، لم يكن حزب الأصالة والمعاصرة يومًا حزبًا منغلقًا أو مكتفيًا بذاته، بل اختار منذ تأسيسه أن يكون فضاءً مفتوحًا على الكفاءات والطاقات الحية، يؤمن بأن التغيير لا يتم إلا عبر الإنسان المؤهل، وأن تجديد النخب ليس خيارًا تكتيكيًا، بل ركيزة محورية لأي مشروع إصلاحي عميق. فالحزب لا يُراكم الأعضاء من أجل العدد، بل ينتقي ويحتضن الاختلاف الخلّاق، منطلقًا من قناعة راسخة بأن التنوع قوة، والنقاش الجاد مقدّمة للقرار الرصين. ولذلك ظل فضاءه الداخلي فضاءً يتسع للجميع ، ويثمّن المساهمات النوعية، ويوفّر الفرص أمام الكفاءات الحزبية الصاعدة لتكون فاعلة في الحاضر، وصانعة للمستقبل.
واختيارُنا لحزب الأصالة والمعاصرة لم يكن صدفة ولا مجرّد انخراط عابر، بل قناعة راسخة تشكّلت لدى جيل من الشباب، الذين وجدوا في هذا المشروع السياسي أفقًا للإيمان والعمل. لقد آمنا أن هذا الحزب يُجسّد فعلًا مختلفًا في المشهد السياسي، مشروعًا يؤمن بالتغيير الجاد، ويحتضن الكفاءات، ويُقدّر الانتقاء ويُثمّن الاختلاف. لم نأتِ طلبًا لموقع، بل حملًا لقناعة، ورغبةً في أن نكون جزءًا من دينامية سياسية تُراهن على التجديد، وتُعلي من قيمة المشاركة المسؤولة، وتُوفّر لنا فضاءً نُسهم فيه بصناعة مغرب الغد.

وهكذا، يواصل حزب الأصالة والمعاصرة مسيرته، متسلحًا برصيد من التراكم، وإرادة متجددة، وثقة متنامية من المواطنات والمواطنين، ليؤكد مرة أخرى أن المستقبل لا يُصنع بالشعارات، بل يُكتب بالأثر، ويُوقّع بلونين: الأبيض الذي يضيء الطريق، والأزرق الذي يحرسه.

نوال اليتيم
عضو المجلس الوطني لحزب الأصالة والمعاصرة

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.