أية منظمة شبابية نريد ؟

0 977

جمال مكماني

في سياق إعادة هيكلة منظمة الشباب وفق منظور جديد يتغيى الوصول إلى مطلب أساسي، دافع عنه الشباب بقوة من داخل اللجنة التحضيرية التأسيسية للمنظمة التي اشتغلت لمدة سنة ونصف، ألا وهو منظمة شبابية مستقلة. يحق لكل الباميات والباميين طرح هذا السؤال المهم “أية منظمة شبابية نريد ؟”- والذي كان عنوانا لندوة نظمت بالرحامنة بتاريخ 01 فبراير 2014- سواء كان شابا بالمعنى القانوني للكلمة أو لم يكن كذلك، وسواء كان منتميا لهذا التنظيم الموازي أو لم يكن، فموضوع منظمة الشباب هو شأن جماعي وبالتالي فمن حق الجميع أن يدلو بدلوه بخصوصه. لقد جاءت مناسبة هذا الكلام، من أجل المساهمة في التأسيس لفلسفة اشتغال من داخل الحزب، ترمي إلى إشراك مختلف مكونات الحزب بخصوص القضايا التنظيمية الهادفة الى تجديد الوضع التنظيمي والنهوض به. وبذلك سوف نصل الى بناء سيرورة تنظيمية متكاملة، تؤطرها مراحل أساسية؛ بدءا من اقتراحات موسعة لمدخلات تنظيم شبابي قوي ومستقل، ثم مرحلة تقاسمها مع باقي مناضلات ومناضلي الحزب، وأخيرا مرحلة الأجرأة خلال المؤتمر الوطني الثاني لمنظمة الشباب.

إن ما ينبغي البدء منه هو استخلاص الدروس من النسخة الأولى بهدف فحص قوة المنظمة ونقاط ضعفها في صيغتها الحالية، وشروط عملها الداخلية والخارجية، والموارد المتوفرة لها، بكل تجرد وموضوعية وبدون نية الاساءة الدفينة الأشخاص، بل من زاوية التقييم العلمي الموضوعي للمؤسسة، لأن النسخة الأولى هي تعبير حقيقي عن مستوى وعينا التنظيمي الجماعي كحزب وبالتالي فالمسؤولية هي مسؤولية جماعية. مثل هذا الجرد نظن أنه سوف يفضي إلى فهم موضوعي لأداء المنظمة، وييسر لنا من خلال التفكير الجماعي إمكانية جعل هياكل المنظمة مستقبلا قادرة على المشاركة في تطوير أداء الحزب بدل أن تكون عبئا عليه، ويساعد أيضا في رسم الأولويات الاستراتيجية للعمل. كما أن الإيمان بضرورة تبني الخطاب الاستراتيجي في ممارستنا التنظيمية يحتم علينا، القبول بفكرة أن الخيارات التنظيمية تبقى قابلة للتغيير والتعديل في كل حين وليست خيارا ثابتا، لذلك فمن الواجب أن تتوفر لدينا الشجاعة والاستعداد للمراجعة والتقييم بكل أمانة. أضف الى ذلك، أن خلق مثل هذه الفرص للتفكير الجماعي تساعد على بناء روح العمل الجماعي وتطوير الوعي التنظيمي للمناضلات والمناضلين، وبناء ثقافة الالتزام لدى مكونات المنظمة، فمن السهل تطبيق استراتيجية العمل المفكر فيها بشكل جماعي، لما يأخذ القائمون على تنفيذها دورا في عملية بلورتها ويلتزمون بإنجاحها.

إن التهييء للمؤتمر الوطني الثاني للمنظمة، وربط نجاح المنظمة في مهامها بقرار الاستقلالية، قد تكون مليئة بالمخاوف، لأن البث في مختلف القضايا المتعلقة بهذه الاستقلالية ليس بالمهمة اليسيرة، خاصة وأن إحداث التغيير في أفق تحسين المردودية مهمة مركبة ومعقدة حتى في أحسن الظروف. فالتمعن الدقيق في أداء المنظمة لتشخيص أعطابها بعيدا عن الذاتية وبكل موضوعية لتحقيق الطفرة النوعية المأمولة، سيتطلب بكل تأكيد جهود خاصة وموارد تنظيمية وتعاطي مسؤول من كل مكونات الحزب، لذلك نعتبر أن كل المخاوف سنتخلص منها، إذا ما عملنا بمنطق الروح الجماعية على تنشيط وتعزيز الشعور بالمسؤولية والالتزام عبر المشاركة الواسعة في عملية البناء.
إن تطوير البناء التنظيمي يحتاج إلى مشاركة واسعة لجميع مكونات الحزب، من خلال العمل على قيادة النقاشات التنظيمية وتدبيرها في أفق الخروج بأرضية مشتركة تتيح إمكانية ضمان مشاركة الجميع في عملية البناء، والإسهام في إيجاد نغمة الثقافة التنظيمية التشاركية، وهو ما نهدف إليه أيضا من خلال هذه الورقة، لأن ذلك في تقديرنا هو السبيل إلى الزيادة من فرصة بروز أفكار جيدة ومدركات جديدة من شأنها إغناء العملية التنظيمية. وبذلك فإننا لا نكون مساهمين فقط في تعزيز الشعور الجماعي بالمسؤولية ومراكمة الخبرة التنظيمية والسعي نحو بناء ثقافة الالتزام، بل في تقويتها أيضا.

تكمن أهمية التشخيص في بلورة استراتيجيات جديدة للعمل، تكون قائمة على تقديم حلول تتيح إمكانية تحقيق أداء ومردودية أفضل. ليس المهم في هذه الحالة هو التفسير، رغم أهميته، ولكن الأهم من ذلك هو تحقيق التغيير خاصة وأنه لا ينبغي علينا أن نفهم بأن الاستقلالية هي الجواب الشافي على كل المعيقات، فصحيح أن الاستقلالية سوف تيسر من عمل المنظمة خاصة في الشق المتعلق بالاستفادة من الدعم المخول قانونيا لها من طرف المؤسسات الحكومية، إلا أنها سوف تكون بدون جدوى ما لم توضع في سياق استراتيجية مفكر فيها للعمل. وبناء عليه فإن استقلالية منظمة شباب الحزب، لا ينبغي النظر إليها بمنطق استقلاليتها عن القرار السياسي للحزب. أو بأنها سوف تكون بمثابة جزيرة معزولة عن روافد الحزب المتعددة، التي وجدت أصلا من أجل تحقيق الصلة الضرورية بين الحزب والتنظيمات الاجتماعية والاقتصادية والمهنية لتحقيق الانجذاب الشعبي لفئات واسعة من المجتمع، بل ينبغي فهمه واستيعابه من زاوية الهامش الذي يتاح أمام الشباب من أجل تدبير المواضيع والشؤون التنظيمية المرتبطة بهم بشكل ذاتي، يقررون فيها بالاعتماد على الهياكل التي ينبني عليها تنظيمهم، وبتحرير قدراتهم على تعبئة الموارد اللازمة لبلورة المشاريع التي تصب في خدمة شباب الحزب، بحكم أن هذه الإمكانية لم تكن متوفرة لمنظمة الشباب في نسختها الحالية حيث لا يمكن الاستفادة من الدعم المخصص من طرف المؤسسات الحكومية نتيجة عدم توفر المنظمة على وصل إيداع قانوني. كما أن هذه الاستقلالية ينبغي أن تستوعب في نطاق توسيع المشاركة السياسية للشباب في إنتاج القرار الحزبي، وتضييق الخناق على الفراغ التنظيمي، الأمر الذي سوف يفضي إلى ارتفاع منسوب الوعي السياسي والنشاط السياسي لدى شباب الحزب، فمن زاوية التنمية السياسية فان القضية الأهم فيما يتعلق بشكل التنظيم الشبابي، ليس مزايا أو عيوب هذا الشكل أو ذاك، وإنما هي بالأحرى قابليته للتطور والتكيف وقدرته على استيعاب الطاقات الشابة التي يزخر بها الحزب، ومواكبة التغيرات الاجتماعية التي تولدها تحولات المجتمع.

إن الرؤية التي ينبغي أن نحتكم لها جميعا هي تعميق النقاش من أجل ولادة ثانية لمنظمة الشباب، ولادة ينبغي أن تكون إضافة نوعية للحزب ولهياكله التنظيمية، فالتحضير لها لا ينبغي أن يكون محطة عابرة وإنما لحظة تأملية بامتياز، لحظة مفكر فيها بروية وهدوء وصوتها مسموع في أعماق المغرب العميق. ولادة ثانية تسمح عمليا بالتنقيب عن مناضلات ومناضلين بإمكانهم أن يساهموا في تلك الرجة التي نأمل أن تحدثها منظمة شباب حزب الأصالة والمعاصرة، بممارسة سياسية مغايرة وبأسلوب جديد يضع حدا، من زاوية مسؤوليتنا، لذلك الانطباع السائد حول التنظيمات السياسية التي ينظر اليها على أنها فضاء للريع السياسي وسباق نحو التموقع. مناضلات ومناضلين يؤمنون بالمؤسسة الحزبية كمشتل لإنتاج القيم الوطنية النبيلة ويساهمون في بناء وطن يتسع للجميع، عبر الانخراط في تأطير المواطنات والمواطنين وخلخلة الفهم المغلوط حول السياسة والفاعل السياسي والمساءلة النقدية للبداهات التي ترسخت لدى المواطن نتيجة الاستعمال المشوه للفعل السياسي.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.