ابن القاضي يكتب: الجهوية في قلب النمودج التنموي الجديد.

0 1٬425

ينطلق التفكير التنموي أساسا ، على أرضية التشخيص وتحديد الحاجيات الأساسية والضرورية ببعد استشرافي للمستقبل على أساس قاعدة الاستدامة والتغير والتطور . ومن هذا المنطلق تتحدد أبعاد النمودج التنموي الجديد الذي دعا له عاهل البلاد، لتجاوز حالة الانتظارية بمختلف القطاعات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية .

وعلى اعتبار أن مؤشرات التنمية بالمغرب، بحسب تقارير دولية و وطنية ، تسجل عجزا في تجاوز معدلات النمو الاقتصادي، أضحى ضرورة الانكباب على صياغة نمودج تنموي يلبي حاجيات البلد خصوصا وأن السوق الوطني مرتبط بالتحولات الماكرو-اقتصادية عالميا، واعتماده على الدعم والواردات الخارجية، متفوقا على الانتاجية الوطنية بمختلف القطاعات رغم تنوعها وتعدد مصادر انتاج الثروة .

ومع احداث الجهوية المتقدمة ، وفق قوانين تنظيمية ودوريات للداخلية لتحديد اختصاصات الجهات ومنحها صلاحيات واسعة في التدبير المالي والاداري مقرونة بسلطة الوصاية في بعض القرارات والتأشير على المقرارات . في اطار التكامل بين سلطة التعيين والانتخاب، وتوجه الدولة نحو اللاتركيز الاداري. إلا أن قصور الرؤية وبعدها أحيانا عن واقع الفعل التنموي الجهوي، لاعتبارات مرتبطة بالمنتخب الجهوي أو المحلي، تجعل من إقامة العمل التشاركي لتحديد برنامج العمل بمنطق علمي واقعي، يراعي الخصوصيات الثقافية والبيئية والمجالية بعيدا عن تحقيق العدالة الاجتماعية والمجالية بين عموم ساكنة الجهة .
ووفق هذا التقسيم الجديد للجهات ،تم احداث جهات جديدة كجهة درعة تافيلالت بالجنوب الشرقي، هذه الأخيرة تعيش حالة الشرود والانتظارية كجهة مترامية الأطراف ووحدة التضاريس والمناخ والفقر، رغم امكانيتها الطبيعية والسياحية والفلاحية، والثقافية .
لذالك فمنذ سنة 2015 وتنزيل ورش الجهوية تعتريه صعوبات واكراهات تطبيقية وتقنية، لكن الطابع الاستقلالي في تدبير الجهات يصطدم كذالك بالمعطى السياسي وافرازات النخب الجهوية ومدى قدرتها على تلبية الطلب التنموي للمواطن. وفق الامكانيات المالية المرصودة لها بمختلف القطاعات، حسب الاختصاصات الذاتية والمشتركة والمنقولة .

فإذا سلطنا الضوء على سبيل المثال لا الحصر بجهة درعة تافيلالت، نجد أن هشاشة الخدمات المقدمة في قطاع الصحة والخدمات الاجتماعية ، رغم مسؤولية الوزارة الوصية على القطاع تبقى دون المستوى المطلوب في اطار الحق في التطبيب المكفول دستوريا لعموم المواطنين. وهنا يمكننا القول أن المسؤولية ملقاة على عاتق المنتخبين والبرلمانيين و هيئات المجتمع المدني ، للترافع وعقد شركات لدعم القطاعات الاجتماعية، لأنها تلامس الواقع المعيشي واليومي للساكنة، زيادة على الرفع من مردودية القطاع السياحي والفلاحي ، وما يتلائم وطلب السوق الداخلية والخارجية.

وعلى اعتبار البنية التحتية أساس قيام الثورة التنموية الحقيقية، وخصوصا الطرقات وربط الجهة بأقطاب اقتصادية وطنيا، نجد أن شق نفق تيشكا وربط درعة تافيلالت بجهة مراكش أسفي ، وانجاز الطريق بين تنغير وبني ملال ، وربط الراشيدية بمكناس بالطريق السيار ، مطلب استراتجي لتحقيق اقلاع تنموي بالجنوب الشرقي، لخلق منافذ اقتصادية وسياحية للجهة، وهذا يتطلب مجالس منتخبة ومؤسسات قوية قادرة على الاستجابة الفعلية لراهنية العملية التنموية، والتي لم تعد اليوم غير قابلة للتأجيل أو التماطل . إضافة إلى مختلف الأنشطة ذات البعد الهوياتي والثقافي الذي تزخر به جهة درعة تافيلالت، وثتمين المنتوجات المحلية والواحية وإعادة الاعتبار للموروث الحضاري والتارخي كجزء من التنمية الجهوية، وتعزيز جاذبية الاستثمار وتقوية مناخ الأعمال، بتحفيزات وتسهيلات إدراية وعقارية ورقمنة المعاملات بمختلف القطاعات ضمانا لتسريع وثيرة التدبير الاداري والقانوني في معالجة مختلف المشاريع التنموية .

ومع تزايد النداءات الرامية إلى تعزيز مشاركة المواطنين في صناعة القرار العمومي والمساهمة في التنمية، في اطار البعد التشاركي نجد أن تعاطي المجالس المنتخبة مع هذا القرار بنوع من الانتقائية رغم تنصيص دستور 2011 على ذلك. هذا التعامل الأحادي خلق نوعا من التجاذبات السياسية واحتكار القرار بمنطق سياسي خدمة لأجندة انتخابية في عدة مؤسسات منتخبة، مما جعل حالة الاحتقان والتذمر وسط المواطنين ، بعدة مناطق مطالبين باشراكهم في مختلف مراحل انجاز المشاريع التنموية ، وتحقيق توزيع عادل لهذه المشاريع بعيدا عن الانتماءات الحزبية .

وبما أن المواطن هو صلب العملية التنموية ، فان ساكنة جهة درعة تافيلالت تعاني الفقر بسبب غياب برامج اقتصادية واجتماعية، والتي من شأنها تعزيز الموارد المدرة للدخل لفائدة الأسر ، هذه الأخيرة تواجه تكاليف المعيشة وتمدرس أبنائها وغلاء المواد الاستهلاكية، مما جعل العديد من اليد العاملة تهاجر إلى المدن الصناعية والخدماتية لتوفير تكاليف العيش. وهنا نؤكد على أهمية الاستثمار في العنصر البشري كرأسمال قوي خصوصا بجهة درعة تافيلالت.

ورغم هذا كله يبقى واقع الجهة رهين بماذا قابلية الارادة السياسية والادارية للمؤسسات . من اجل توسيع مجال الاشتغال واشراك مختلف المتدخلين ، احزاب سياسية ومجتمع مدني والمؤسسات القطاعية والوزارية . خدمة التنمية والوطن وضمان السلم الاجتماعي . وفق تصور جديد لنمودج تنموي واعد .

أنيس ابن القاضي
المنسق الجهوي لحزب الأصالة والمعاصرة بجهة درعة تافيلالت.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.