اتغلاست يشيد بأهمية تقرير رئاسة النيابة العامة في الممارسة النيابية لتضمنه معطيات وأرقام وإحصائيات بالغة الدقة
اعتبر النائب البرلماني سعيد أتغلاست، أن تقرير رئاسة النيابة العامة لسنة 2023، يشكل أهمية قصوى “في ممارستنا النيابية، خصوصا في ظل ما حققه من تراكم على مستوى توثيق الأرقام والإحصائيات وتحيينها، بما يجعل منه مصدرا لا غنى عنه في فهم الممارسة القضائية في بلادنا”، منوها في الوقت نفسه بجهود السلطة الحكومية المكلفة بالعدل، في معالجة مختلف التحديات المطروحة، بمخطط تشريعي متكامل، وإصرار على المضي في ورش الرقمنة، وتأهيل البنية التحتية لمحاكم المملكة، بما يخدم في المنتهى حقوق المواطنات والمواطنين.
وأشاد النائب البرلماني في مداخلة له باسم الفريق النيابي للبام، بمناسبة دراسة تقرير رئاسة النيابة العامة لسنة 2023، اليوم الثلاثاء 29 أبريل الجاري، بلجنة العدل والتشريع وحقوق الإنسان، بانتظام صدور هذا التقرير، بالنظر إلى ما يتضمّنه من معطيات وأرقام وإحصائيات بالغة الدقة والأهمية، في فهم مختلف مناحي العمل القضائي وتقاطعاته الكبرى مع عمل باقي المؤسسات الأخرى، على رأسها السلطة الحكومية المكلفة بالعدل، والمجلس الأعلى للسلطة القضائية، والمندوبية العامة لإدارة السجون وإعادة الإدماج، وغيرها من المؤسسات والقطاعات الحكومية ذات الصلة.
وأوضح النائب اتغلاست أن دراسة تقرير رئاسة النيابة العامة لسنة 2023، محكومٌ بالمستجدات التشريعية المتصلة بانتهاء المناقشة العامة والتفصيلية لمشروع قانون رقم 03.23 بتغيير وتتميم القانون رقم 22.01 المتعلق بالمسطرة الجنائية، وما أحدثه من نقاش عمومي، سواء داخل مجلس النواب، من خلال مؤشر عدد الأيام الدراسية المنظمة بشأنه، سواء منها التي تناولت مضامينه، أو التي همّت عرض آراء مؤسسات وهيئات الحكامة ذات الصلة، أو في مختلف فضاءات ومدارات النقاش العمومي، مما يبرز أهمية الموضوع وتملّك المجتمع لمضامينه ومقتضياته.
وأشار النائب البرلماني إلى أن دراسة تقرير رئاسة النيابة العامة لسنة 2023، يعتبرها، فريق الأصالة والمعاصرة، مناسبة سانحة “لنجدد التنويه بالدينامية المتواصلة التي تعرفها السلطة الحكومية المكلفة بالعدل، منذ مستهل هذه الولاية الحكومية، مشيدينَ بمخططها التشريعي الطَّموح، والذي من شأنه تغيير وجه العدالة والممارسة القضائية في بلادنا”.
وأشاد النائب البرلماني بالأهمية الكبيرة التي توليها الحكومة لمرفق العدالة، وهو ما أثمَرَ نصوصا تشريعية على قدر كبير من الأهمية، “نذكر منها أساسا مشروع القانون رقم 02.23 يتعلق بالمسطرة المدنية، الذي صوت عليه مجلسنا في يوليوز الماضي، والقانون رقم 10.23 المتعلق بالمؤسسات السجنية، والقانون رقم 43.22 المتعلق بالعقوبات البديلة، الذي من المرتقب أن يدخل حيز التنفيذ شهر غشت من هذه السنة، عملا بأحكام المادة الرابعة منه”.
كما نوه النائب البرلماني باسم فريق الأصالة والمعاصرة بالعناية التي يوليها رئيس الحكومة لهذا الموضوع، من خلال مخرجات اللقاء الأول المنعقد مع مختلف المتدخلين بتاريخ 20 نونبر 2024، أسابيع قليلة بعد نشر القانون المتعلق بالعقوبات البديلة في الجريدة الرسمية بتاريخ 22 غشت 2024، ثم اللقاء الثاني المنعقد بتاريخ 3 أبريل 2025، بهدف الوقوف على التقدم المحقق في إعداد النصوص التنظيمية المؤطرة لقانون العقوبات البديلة، الأمر الذي يبرز العناية الحكومية لهذا الموضوع، والذي من شأنه أن يقدم حلولا عملية لمجموعة من القضايا المتداخلة، على رأسها إشكالية اكتظاظ المؤسسات السجنية، وما ينتج عنها من تحديات: قانونية، وحقوقية، وإنسانية، ومجتمعية.
واعتبر النائب البرلماني أن المستجدات الواردة في مشروع قانون المسطرة الجنائية على هذا المستوى، على قدر كبير من الأهمية، وذلك من خلال اعتبار الاعتقال الاحتياطي تدبيرا استثنائيا لا يتم اللجوء إليه إلا إذا تعذّر تطبيق تدبير بديل عنه، أو في الحالة التي يكون فيها مثول الشخص أمام المحكمة في حالة سراح من شأنه التأثير على حسن سير العدالة، وعدم جواز لجوء قاضي التحقيق إلى الاعتقال الاحتياطي كتدبير استثنائي إلا إذا ظهر أنه ضروري لأحد الأسباب المنصوص عليها في المادة 1-175.
وقال النائب البرلماني في مداخلته، “لقد كان لافتا الإحصائيات والأرقام الواردة في تقرير رئاسة النيابة العامة لسنة 2023، على مستوى عدد قضاة المملكة، حيث يقر التقرير بوجود 3 قضاة لـ 100 ألف نسمة في المغرب، وهو رقم ضعيف جدا، على حد وصف التقرير نفسه، خصوصا عند مقارنته بالمعدلات الأوروبية ذات الصلة، والتي تتجاوز 11 ممثلا للنيابة العامة لكل 100 ألف نسمة، حسب التقرير دائما”.
وأضاف النائب البرلماني، “معالجة هذا الواقع يتطلّب الرفع من عدد القضاة، لا سيما القاضيات، اللواتي لا يتجاوز عددهن 1087 قاضية، بنسبة 26 في المائة فقط، كما أن قاضيات النيابة العامة يسجلن نسبةً أقل، بحيث لا تتجاوز 17.57 في المائة، أي 191 قاضية نيابة عامة فقط، وذلك من أصل 869 من قضاة النيابة العامة الذكور، أي ما يمثل نسبة 82.42 في المائلة، خصوصا أن مجموع القضايا المسجلة برسم سنة 2023 قد بلغت 4.710.693 قضية، وهو رقم كبير جدا، يتطلب تعبئة موارد بشرية كبيرة، والمضي في ورش التحول الرقمي لمنظومة العدالة بخطى مستمرة، خصوصا “إذا علمنا أن المحاضر الورقية المحالة على النيابة العامة انتقلت من 1.346.753 محضرا ورقيا سنة 2017، إلى 2.426.391 محضرا ورقيا برسم سنة 2023”.
وتوقف النائب البرلماني بألم شديد وحسرة كبيرة، عند الأرقام والإحصائيات المسجلة بخصوص العنف ضد المرأة، وما تثيره من تحديات على مختلف المستويات والأصعدة، حيث تم تسجيل ارتفاع كبير في حالات العنف ضد المرأة، مشيرا إلى أنه بعد أن سجلت سنة 2021، ما مجموعه 23879 حالة، وسنة 2022، ما مجموعه 28816 حالة، عرفت سنة 2023 تسجيل 29.950 حالة، أي في منحىً تصاعدي دائما، خصوصا إذا “اطلعنا على الجدول الوارد في الصفحة 317، الموضّح لمختلف أنواع الجنايات والجنح المرتكبة ضد المرأة برسم سنة 2023، حيث نقف على فداحة الأمر”.
وفي موضوع ذي صلة، وقف النائب البرلماني عند الأرقام الواردة في تقرير رئاسة النيابة العامة لسنة 2023، بخصوص تزويج الطفلات، بوصفه شكلا من أشكال العنف، والحاجة الملحة إلى مراجعة مقتضيات مدونة الأسرة، وهو الورش الذي أطلقه أمير المؤمنين حفظه الله بمناسبة خطاب العرش بتاريخ 30 يوليوز 2022، وفي ضوء خلاصات جلسة العمل التي ترأسها جلالة الملك، حفظه الله، بتاريخ 24 دجنبر 2024، حيث تم إلى حدود سنة 2023 تسجيل ما مجموعه 15.319 طلبا، وهو رقم يسير في منحى منخفض مقارنة بسنة 2022، التي سجلت 19848 طلبا بالإذن بزواج القاصرات، لكن تسجيل الاستجابة لما مجموعه 8624 طلبا يطرح تحديات عديدة في هذا الباب، في أفق التنصيص في مدونة الأسرة على مقتضيات حاسمة تمنع تزويج الطفلات بشكل نهائي.
وأكد النائب البرلماني أن الإحصائيات الواردة في تقرير رئاسة النيابة العامة برسم سنة 2023، حول زيارة مؤسسات الأمراض العقلية، أثارت الكثير من النقاش، والتي لم تتجاوز 198 زيارة فقط، وهي الأرقام التي تفتح باب الصحة النفسية والعقلية على مصراعيه، في وقت لا ينكر فيه أحد الجهود الحكومية المبذولة في القطاع الصحي، والتي جعلته في صلب أولوياتها، وعززت من ثقة المواطنين في منظومتهم الصحية الوطنية، وهو ما تعبّر عنه الميزانية المرصودة له برسم السنة المالية 2025، التي بلغت 32 مليار و575 مليون و709 ألف درهم، بزيادة قدرها 2.576 مليار درهم، أي بنسبة زيادة بلغت 6%، مقارنة بالسنة المالية الماضية.
واعتبر اتغلاست أنه قد آن الأوان للانكباب على معالجة واقع الصحة العقلية والنفسية ببلادنا، في ظل غياب مسح وطني شامل ومحيّن حوله، حيث تتضارب الأرقام بهذا الشأن، داعياً الوزارة الوصية إلى التسريع بإعداد سياسة حكومية متكاملة في موضوع الصحة العقلية والنفسية، ومراجعة الإطار القانوني المنظم لهذا الموضوع، مع التركيز على تعزيز العرض الاستشفائي المرتبط بالصحة العقلية والنفسية، وتعميـمه على مختلف مناطق المغرب بما يضمن العدالة المجالية في هذا الباب.
خديجة الرحالي