الدكتور والفقيه الدستوري محمد أمين بنعبد الله: المحكمة الدستورية أضاعت فرصة ذهبية للتأسيس لنظرية الظروف الاستثنائية

0 3٬927

يتضح أن الطعن الذي تقدم به فريق الأصالة والمعاصرة بمجلس النواب على مسطرة التصويت الخاصة بالقانون رقم 26.20 المتعلق بتجاوز سقف التمويلات الخارجية، ونص القرار المحكمة الدستورية رقم 106/20 الذي بموجبه بتت في هذا الطعن، وكذا بلاغها الأخير، كلها مواضيع لا تزال تغري المتتبعين والمهتمين والباحثين والفقهاء الدستوريين والحياة الدستورية المغربية عامة.

ولكل غاية مفيدة نوافيكم بتعليق الفقيه الدستوري الكبير بالساحة المغربية والقاضي السابق بالمجلس الدستوري الدكتور محمد أمين بنعبد الله، على نص قرار المحكمة الدستورية المشار إليه أعلاه وكذلك على نص بلاغها الأخير.

وفي هذا السياق قال الدكتور محمد أمين بنعبد الله، أنه لاحق للأمين العام للمحكمة الدستورية وحتى رئيسها رفض تسلم أي طلب ورد على المحكمة، لأن أمين المجلس ليس له صلاحيات قضائية، ورئيس المحكمة الدستورية نفسه ليس له صلاحيات قضائية، فالمحكمة بكاملها هي من لها صلاحيات قضائية تطبقها بالتصويت أو بالتراضي، وبالتالي هي من لها الاختصاص القضائي برمتها وليس للرئيس وحده الحسم في أي موضوع، فقط المحكمة بقرار من جميع أعضائها.

وأوضح الدكتور بنعبدالله في ندوة عبر تقنية “الفيديو” أن المشكل ليس في تأويل المادة 25 من النظام الداخلي للمحكمة الدستورية، ولكن الخطأ في عدم تسلم وثيقة، وأنا أقول جازما أنه حتى “بطاقة بريدية” وردت على المحكمة يجب أن تمسكها، وحتى طلب أي أحد يشتكي وزير أو سفير من حقه أن يضع طلبه، ومن حق المحكمة بعد ذلك ألا تجيب، أما أن ترفض تسلم طلب ما، فليس من حقها، هل علمت ماذا قدم لها؟ ليس من اختصاص الأمين العام، هنا كان الخطأ في عدم التسلم، أما حق الإطلاع على رأي الأطراف الأخرى، فيدخل في اختصاص مسألة المقرر، فالمقرر يرى بأن الحكومة جاءت بملاحظات وإذا كانت هذه الملاحظات تتطلب جوابا من الطرف الآخر فله حق المطالبة بها، أي يمكن للقاضي الدستوري طلب التعقيب من الطرف الآخر للوصول إلى الحقيقة.

وأوضح بنعبدالله أنه إذا تقدمت كطرف بطلب للمحكمة، يجب تسلم الطلب وبعد ذلك تجيب بمراسلة تبرر رفضها لطلبك، أو تضمنه في حيثيات القرار، أما عدم التسلم فهذا خطأ، لأن الأمين العام مؤتمن على المحكمة ويجب أن يتسلمه.

واعتبر بنعبدالله أن البيان التوضيحي الصادر عن المحكمة الدستورية، أمر مرفوض لأن المحكمة وكأنها شاكة في راسها، لأن البلاغ التوضيحي هو مبدأ توضيحي آو تلخيصي لحيثيات القرار، أما هذا المستوى فلا يجب أن تنزل إليه المحكمة الدستورية”، مشيرا إلى أنه “كانت من قبل هذه الواقعة نازلة مشابهة، حيث في قضية بمحكمة الدار البيضاء، قام المحامي بالدفع بعدم الدستورية أمام المحكمة الدستورية، والمحكمة تسلمت طلبه رغم أن لا أساس قانوني لها في الموضوع، بل أصدرت قرارا في الموضوع، أما أن أقدم لك طلبا وترفضه فلا أساس قانوني لذلك، فالمادة 25 واضحة وهي استنارة وتنوير المحكمة ومن يرفض الطلب هي المحكمة وليس الإدارة، فالإدارة لا علاقة لها بالبت في الطلبات، وبالتالي أي واحد ذهب للمحكمة الدستورية حتى من أجل دعوى كراء أو حادثة سير يجب أن يتسلموا الطلب ومن حقهم أن لا يبتوا فيه”.

وفي موضوع مضمون قرار المحكمة الدستورية الذي بتت بموجبه في الطعن الذي تقدم به فريق الأصالة والمعاصرة، فقد اعتبر بنعبدالله أن “المحكمة الدستورية أضاعت فرصة ذهبية كي تترك بصمة مهمة من حيث التفسير الدستوري لهذا النص”.

وقال بنعبدالله أن “مسطرة التصويت لم تكن مطرحة في هذا القانون، لأن هذا النص يتطلب التصويت بمن حضر، و حتى حضور ثلاثة نواب، اثنين مع القانون وواحد ضد، فالمسطرة ستكون سليمة والقانون سيمر، ولكن المهم جدا هو أنه كان على المحكمة التفسير للمستقبل وإغناء الفقه الدستوري والمدرسة الدستورية المغربية، ذلك أن المادة 4 من القانون التنظيمي لقانون المالية تنص بالحرف، أنه لا يمكن تغيير قانون المالية إلا بقانون مالية تعديلي ويخضع للمسطرة نفسها، صحيح أن الجائحة الملعونة جعلت الحكومة تأخذ بعد التدابير ومنها رفع سقف التمويلات الخارجية بطريقة استثنائية، لأن تمريره عبر المسطرة العادية يحتاج إلى مسطرة طويلة منها المجلس الوزاري يترأسه صاحب الجلالة، تم انعكاسات ذلك على باقي المواد المالية، ولكن مادمنا أمام مصيبة لابد من مواجهتها كان لابد أن نقوم باستعجال تغيير مادة في القانون المالي، فلجأت الحكومة إلى مرسوم بقانون، غير أنه كان على المحكمة أن تبت كذلك في مضمون هذا القانون، وترى هل مواده مطابقة للدستور أم لا، ولا يجب أن ننسى قرارا سابقا للمجلس الدستوري سنة 1996 يتعلق بقانون “الصحون اللاقطة الهوائية” حيث قال بالحرف، عندما يكون المجلس الدستوري مطالب بالبت في دستورية القانون فمراقبته تطال محتوى القانون نفسه، وبالتالي لابد أن نرى على ماذا تمت المصادقة، بينما في الطعن الأخير فالمحكمة قالت ليس هناك ما يثير للنظر في مضمون القانون، وبالتالي القانون المصادق على المرسوم بقانون ليس فيه ما يخالف الدستور، وكان على المحكمة الدستورية أن تنظر في مواد القانون برمتها وخاصة تلك التي رفعت سقف الاقتراض الخارجي لتقول هل هي دستورية أم غير دستورية؟

وهنا أقول أن المحكمة الدستورية أضاعت فرصة هامة، وكان عليها أن تبرز بقوة نظرية الظروف الاستثنائية، صحيح أن من سيقول للحكومة في هذه الظروف ليس لك الحق في مرسوم الرفع من السقف الديون الخارجية سيكون أحمق، لأن النار مشتعلة والماء يسيل وهي مطالبة بالتدخل والقيام بالواجب للحفاظ على الأمن القانوني وأمن المجتمع، ولكن نقول كان على المحكمة الدستورية القول صراحة بأن الحكومة في الظروف العادية لا يمكنها أن تعدل قانون المالية إلا بقانون تعديلي للمالية، ولكن نظرا للظروف الاستثنائية التي يمر بها المغرب ويمر بها العالم بكامله فإن هذا القانون لا يتعارض مع الدستور نظرا للظروف الاستثنائية، أما صمت المحكمة الدستورية فجعل الخطورة في كون الحكومة أصبحت بعد قرار المحكمة الدستورية يمكنها أن تغير قانون المالية بقانون عاد، عكس الأمر لو تدخلت المحكمة صراحة وأقرت بمبدأ الظروف الاستثنائية”.

أما قضية الإثارة التلقائية فقال الدكتور بنعبد الله ” أن هذه النازلة لا تتضمن الإثارة التلقائية، لأنه هذه الأخيرة تكون عندما لا يثير أي طرف هذا الإشكال، أما في هذه الحالة فلا يمكن مراقبة قانون يصادق على مرسوم بقانون دون أن نراقب القانون نفسه أو المرسوم نفسه، فلابد أن تراقب المحتوى لترى هل المصادقة كانت في محلها أم لا. في فرنسا وقع نفس الشيء، حيث هناك قانون تنظيمي عرض على المجلس الدستوري بسبب مسطرة التصويت، حيث أن هذا القانون التنظيمي له مسطرة خاصة منها المناقشة والتصويت داخل البرلمان الفرنسي خلال مدة عشرة أسابيع في المجلسين، و إذا كان الاستعجال يمكن أن يناقش داخل 15 يوما، وفي هذه النازلة قدمت الحكومة القانون يوم 18 مارس بمجلس الشيوخ ويوم 19 مارس أعيد للحكومة مصادق عليه، فقامت المعارضة بل حتى رئيس الدولة ماكرون بالطعن في القانون أمام المجلس الدستوري الفرنسي، فكان جواب المجلس الدستوري صريح هو أن الفصل 46 من الدستور الفرنسي يقول ب 15 يوما في حالة الاستعجال، غير أنه نظرا للظروف الاستثنائية فإن ما وقع لا يخالف الدستور”، ونفس الأمر بالنسبة لمحكمتنا كان عليها أن تقول بأن هناك المادة 4 من القانون التنظيمي تنص على ضرورة تعديل قانون المالية بقانون مالية تعديلي، وتقول بعدها بأنه نظرا للظروف الاستثنائية التي يعيشها المغرب بسبب كورونا فإن الظروف الاستثنائية تبيح للحكومة ذلك، ومن تم ستكون الحكومة في وضعية مريحة والمستقبل واضح، فهذا القرار كان فرصة ذهبية لكن القاضي الدستوري أضاعها.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.