القرار الأممي بشأن الصحراء المغربية: انتصار للدبلوماسية الهادئة والرزينة
يشكل؛ القرار الأخير الصادر عن مجلس الأمن الدولي بشأن الصحراء المغربية محطة تاريخية جديدة في مسار هذا الملف المعقد، إذ أقر المجلس بشكل واضح بجدية ومصداقية المقترح المغربي للحكم الذاتي، واعتبره الإطار الواقعي الوحيد القادر على تحقيق تسوية نهائية للنزاع.
هذا التحوّل في الموقف الأممي لم يأت من فراغ، بل هو ثمرة سنوات من العمل الدبلوماسي الهادئ، والرؤية المتبصرة التي يقودها جلالة الملك محمد السادس نصره الله، القائمة على الواقعية والانفتاح والتعاون الدولي.
لقد استطاع المغرب، خلال العقدين الأخيرين، أن ينقل قضية الصحراء من دائرة الصراع الإيديولوجي الضيق إلى فضاء الحلول العملية والتنمية المشتركة.
لم يعد الحديث اليوم عن “نزاع حدودي”، بل عن نموذج تنموي متكامل يشمل مشاريع ضخمة في البنية التحتية، والموانئ، والطاقة، والتعليم، والصحة، جعلت من مدينتي العيون والداخلة قطبين واعدين في إفريقيا الغربية.
هذه التحولات الميدانية أعادت رسم صورة الصحراء المغربية في الأذهان، من منطقة نزاع إلى منطقة أمل واستقرار.
القرار الأممي الأخير يأتي تتويجا لهذا المسار، إذ عبر بوضوح عن تقدير المجتمع الدولي للجهود التي يبذلها المغرب من أجل إيجاد حل واقعي ومستدام، بعيدا عن منطق الانفصال والمزايدات الإيديولوجية.
فحين يشير مجلس الأمن إلى أن مبادرة الحكم الذاتي هي “الحل الأكثر جدية وواقعية”، فإن ذلك يعني ضمنيا أن أطروحات الانفصال لم تعد تجد صدى يذكر في أروقة الأمم المتحدة، وأن الزمن الدبلوماسي يميل لصالح المقاربة المغربية القائمة على السيادة مع الانفتاح على المشاركة المحلية.
من جهة أخرى، يعكس القرار حجم التغيير في موازين القوى داخل الساحة الدولية؛ فقد تمكنت الدبلوماسية المغربية من بناء شبكة دعم واسعة تمتد من العواصم الإفريقية والعربية إلى واشنطن وباريس ومدريد، وهي الدول التي عبرت مرارا عن دعمها الصريح للمقترح المغربي باعتباره الحل الواقعي الوحيد.
كما أن هذا الدعم الأممي الجديد يعزز من موقع المغرب كشريك استراتيجي موثوق في قضايا الأمن الإقليمي، والتنمية، ومكافحة الإرهاب والهجرة غير النظامية.
لكن هذا الانتصار الدبلوماسي لا يلغي حجم التحديات المقبلة؛ فخصوم الوحدة الترابية للمملكة ما زالوا يحاولون عرقلة مسار التسوية من خلال المناورات السياسية والإعلامية؛ غير أن السياق الدولي اليوم، الذي يفضّل الحلول الواقعية والاستقرار الإقليمي على حساب النزاعات المفتوحة، يمنح المغرب أفضلية واضحة في الميدان السياسي والاقتصادي.
ويبقى الرهان الحقيقي هو تحويل المكاسب الدبلوماسية إلى مكتسبات ميدانية، عبر ترسيخ تجربة الحكم الذاتي كآلية حقيقية للمشاركة المحلية، وضمان انخراط أبناء الصحراء في تدبير شؤونهم بأنفسهم ضمن إطار السيادة المغربية.
إن القرار الأممي ليس مجرد تصويت عابر، بل اعتراف أممي بجهود دولة أظهرت التزامها بالحلول السلمية والعملية، وهو أيضا رسالة إلى من يهمه الأمر بأن المجتمع الدولي لم يعد مستعداً لتكرار نزاعات عقيمة أو دعم كيانات وهمية لا أفق لها.
إن المغرب، اليوم، وقد كسب المعركة الدبلوماسية، مدعو أكثر من أي وقت مضى إلى مواصلة العمل بنفس الروح المسؤولة: ترسيخ الأمن، تعزيز التنمية، والانفتاح على الشراكات الاقتصادية التي تجعل من أقاليمه الجنوبية نموذجا حقيقيا في الاندماج الإفريقي.
ختاما، يمكن القول أن القرار الأممي الأخير لم يثبت فقط مغربية الصحراء من الناحية السياسية، بل رسخ مكانة المغرب كقوة إقليمية صاعدة تعرف ماذا تريد وكيف تصل إليه.
لقد قال العالم كلمته: الصحراء مغربية، والحكم الذاتي هو الطريق الواقعي نحو السلام والتنمية، ويبقى المستقبل، كما أراده المغرب، مفتوحا على الأمل، والثقة، والعمل.
د. حنان أتركين
عضو لجنة الخارجية بمجلس النواب.