بعد سبات عميق …. الحكومة تفكر في “مناقشة” ملف اغتصاب الأطفال

0 577

كلما تمعنا جيدا في النصوص القانونية خاصة منها المواثيق ذات الطابع الدولي الموجه اهتمامها لمجالات أو قطاعات معينة، إلا ووجدنا هوة كبيرة بين أثر هذه النصوص وبين الصورة على أرض الواقع، خاصة عند محاولة الانتقال بهذا النص “الدولي” إلى مصاف التطبيق على المستويين “الإقليمي” و”الوطني”.

ومناسبة الحديث، ما سجله الرأي العام الوطني مؤخرا من حوادث خطيرة مســــــــــــــت عددا من الأطفال، اختلف فيها ما بين اعتداء جنسي إلى تعنيف جسدي واستغلال مرورا بالتعذيب والتنكيل .. وصولا إلى مرحلــــة القتــــل. قتل أرواح بريئة ذنبها الوحيد أنها وقعت ضحية لجرائم مرتبكة من ذوي “عاهات نفسية” أو “ميولات بيدوفيلية” أو أسباب أخرى مختلفة.

لكنها، أي هذه “الجرائم” تجتمع في مصب واحد ألا وهو المأساة المجتمعية والألم المستدام الذي تسبب هذه الحوادث في نفوس أسر الضحايا ومحيطهم، بل هو ألم يتقاسمه حتى الأطفال من نفس المراحل العمرية للضحية، في عصر باتت المعلومة تنتقل بسرعة وصور المعتدين يمكن التقاطها بكاميرات مراقبة عن بعد، وما أن تلوح الصورة الأولى إلى حيز الوجود سواء للضحية أو المجرم، إلا ولقيت تفاعلا كبيرا من كل مكونات المجتمع، وخاصة في وسائط التواصل الاجتماعي التي تؤثر اليوم بشكل كبير في إيصال المعلومة عن جرائم كانت ترتكب “خفية” في وقت سابق، لكنها اليوم باتت مكشوفة للعموم.

يقول الواقع إن المجتمع يتفاعل بسرعة مع الأحداث كيف كان مسارها ومصيرها، ومهما كان المجال الذي مسه الحدث (الجريمة)، وهذا ما يحدث بالفعل في بلادنا، فقد تحرك الرأي العام في أكثر من مناسبة للتعبير عن غضبه واستنكاره لوقوع العديد من الجرائم التي أسفرت عن سقوط ضحايا من أطفال صغار (بنات وأولاد).

إن هذا الغضب وصل حد المطالبة بتنزيل أقصى عقوبة ممكنة في حق الجناة مرتكبي هذه الجرائم لعل الآخرين يتعظوا إذا ما فكروا يوما ما في الاعتداء على حياة أحدهم وإنهائها. وقد لاحظنا بالفعل هذا التفاعل المجتمعي في عدة مواقف، خصوصا كلما تعلق الأمر بجرائم وازعها “جنسي” كما هو الشأن بالنسبة لجريمة وقعت في تارودانت وراح ضحيتها ضحايا، وجريمة طنجة التي قتل على إثرها طفل تم التنكيل به ودفنه قبل أن يتم اكتشاف جثته، ثم أول أمس السبت 26 شتنبر 2020، سيستفيق الرأي العام الوطني مجددا على وقع مأساة عنوانها طفلة تدعى نعيمة الروحي، وبعد اختفائها لأزيد من شهر، وجدت جثة سلمت الروح إلى خالقها، وذلك قرب دوار تفركالت التابع لجماعة مزكيطة، دائرة أكدز بإقليم زاكورة.
المآسي حقيقية فعلا، لكن الحكومة مرة أخرى تخلف الموعد مع المواطنات والمواطنين، وتستمر في سباتها الممتد لشهور، انتظرنا رد فعل حقيقي من الوزارة المكلفة بحقوق الإنسان والعلاقات مع البرلمان، لأن الموضوع يرتبط باشتغالها، هو الحق في الحياة أسمى الحقوق المنصوص عليها دستوريا وكذا في العهود والمواثيق الدولية، لا حق يعلو على هذا الحق لاسيما بالنسبة للأطفال.

انتظرنا خطوة حكومية عملية من أجل درء الخطر المتربص بأطفالنا، فإذا بنا أمام بلاغ متأخر، صادر عن الوزارة السالفة ذكرها يتحدث عن: “تنظيم لقاءات تشاورية مع القطاعات الحكومية والمؤسسات والهيئات المختصة، من أجل تدارس الحصيلة الوطنية في مجال حماية حقوق الطفل وآليات ووسائل الحماية والوقاية من الانتهاكات والنواقص والخصاصات المحتملة في التشريع والممارسة في هذا الشأن” ؟؟؟؟؟.

نعم، الوزارة غابت لمدة طويلة، ولما استفاقت، آثرت أن “تتــــشاور” فيما يشبه سلوك “البريستيج”، وسيتجدد المشهد مرة أخرى، داخل صالونات مكيفة تغلب عليها لغة التنظير أكثر من الواقع لمناقشة الجيل الأول من الحقوق الحق في الحياة أما الجيل الرابع والخامس فلا مجال لإثارتهما. لغة مناقشة الحكومة مع ضيوفها ما تلبث أن تثير النص هنا وهناك وتسرد أرقام جوفاء، لكن الحقيقة المؤلمــــة هو أن المواطن ينتظر فعلا مجسدا في الواقع يردع الجاني ويطفئ جمرة نار موقدة في نفوس أسرة كل ضحية.

تحدث البلاغ الوزارة في سياق متصل عن: …وضع حد لهذه الجرائم التي تستهدف فئة اجتماعية هشة، والتي ينبغي توفير الحماية الكاملة لها، وأعلى درجات اليقظة والتدخل المطلوبين للوقاية من المخاطر المحدقة بها”. نعم يبدو المضمون كما نطلع مصاغا بعناية فائقة، ولكن حقا هل سيرى التنزيل الفعلــــــي، أم سيظل مجرد حبر على أوراق الهدف منها التنظير والتنظير في الوقت الذي جف فيه الحبر. وهناك طرح آخر وهو أن العديد من القضايا خاصة منها المرتبطة بالطفل أو المرأة، لا تجد الحكومة فيها إلا مواد دسمة تحرك مقاديرها خلال مناسبات معينة فقط من باب “تمجيد” إنجازات لا تراها إلا هي أو كلما تعلق الأمر باستحقاقات انتخابية.

إن المطلوب من الحكومة اليوم هو “التفعيل” وليس “التشاور”، تفعيل الترسانة القانونية التي أنتجتها بلادنا في مجال حقوق الإنسان وحقوق الطفل ومدونة الأسرة وغيرها من النصوص التي ضحى من أجل الشعب المغربي وقطع أشواطا طويلة في سبيل إخراجها إلى حيز الوجود، وانتظر أن تشكل هذه النصوص آلية حماية للأجيال وليس مجالا للمزايدات الجوفاء الذي لا تؤثر في شيء.

وعلى سبيل الختم، لا بأس من تذكير الحكومة، بأن بلادنا تنخرط اليوم بكل جدية ومسؤولية في تفعيل المواثيق الدولية ذات الصــــلة بحقوق الطفل، وهو التوجه الذي لا يترك مجالا للشك بأن هناك إرادة جماعية للمضي في هذا التوجه وحماية الأطفال حملة مشعل المستقبل.

ولنذكر الحكومة في نفس السياق، على أن لكل طفل الحق في الحياة، وعلى الحكومات أن تتأكد من بقاء الطفل على قيد الحياة كي يكبر بأفضل طريقة ممكنة. وعلى الحكومات حماية الأطفال من العنف، والإساءة، والتعرض للإهمال من قبل أي شخص مسؤول عن رعايتهم، تقول اتفاقية حقوق الطفل الصادرة عن الأمم المتحدة، وعلى الحكومات أيضا أن تحمي الأطفال من الاستغلال الجنسي والإساءات الجنسية، بما في ذلك من الأشخاص الذين يقومون بإجبار الأطفال على ممارسة الجنس مقابل المال، أو على تصوير أفلام أو صور جنسية لهم …

مــــراد بنعلي

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.