بعد فشلها في “تكميم الأفواه” الحكومة تتراجع عن تكبيل “حرية العمال”

0 583

مع توالي القرارات الكارثية التي تصر الحكومة على اتخاذها ضدا على إرادة المواطنات والمواطنين ومصالحهم، وإذا كانت هذه الفترة الاستثنائية من الزمن السياسي والاجتماعي الوطني قد تميزت بتعزيز عُرى التضامن والتكافل الاجتماعيين والانسانيين، فقد عرت في نفس الوقت عن النوايا السيئة للحكومة التي تسعى بكل الطرق إلى تمرير قرارات وقوانين لا شعبية ولا اجتماعية، وتفتقر للحد الأدنى من المسؤولية المواطنة.
ولأن ذاكرة المواطن المغربي قوية ولا تذهب بريحها لشعارات حكومية فارغة لا تسمن ولا تغني من أساسيات العيش الكريم شيئا، فلا حرج من التذكير بأن الحكومة التي تدعي تضامنها وتماسكها ووحدة مواقفها في القرارات التي تتخذها، أنها سعت لتمرير مشروع قانون 22,20 المتعلق بتقنين استعمال وسائل التواصل الاجتماعي وشبكات البث المفتوح، مستغلة حالة الطوارئ الصحية واصطفاف المغاربة في جبهة مواجهة الوباء اللعين.

لكن وكما في كل مرة، يأبى الشعب المغربي بكل طبقاته ومشاربه الاجتماعية والسياسية والثقافية، إلا أن يقف سدا منيعا ضد هذا القانون الذي أرادت به الحكومة تكميم أفواه المغاربة ومصادرة حقهم الدستوري في التعبير عن آرائهم ومواقفهم وقناعاتهم.

واليوم، وفي عز حالة التعبئة المجتمعية من أجل التحسيس والتوعية بفيروس كورونا في ظل التزايد المقلق في عدد الإصابات، أقدمت الحكومة على فرض مناقشة مشروع قانون تنظيمي رقم 97.15 بتحديد شروط وكيفيات ممارسة حق الإضراب على مستوى لجنة القطاعات الاجتماعية بمجلس النواب، في إصرار غريب منها على إقصاء كل الفاعلين والمعنيين، وفي تعطيل مستفز للمنهجية التشاركية مع النقابات التي كثيرا ما تغنى بها أعضاء الحكومة في خطاباتهم وتصريحاتهم.

وككل مرة أيضا، وقفت الإطارات النقابية في وجه الحكومة وعملت على ردعها وإجبارها على التراجع على قرار مناقشة مشروع قانون حيوي لم تتجرأ كل الحكومات، منذ الاستقلال، التي تناوبت على تدبير الشأن العام الوطني (لم تتجرأ) على التداول فيه بهذه الصيغة الإقصائية واللاشعبية واللاديمقراطية واللاتشاركية.

وفي الوقت الذي حاولت فيه الحكومة تبرير سحبها لمشروع القانون من المناقشة البرلمانية، برغبتها في الانفتاح على آراء وملاحظات المركزيات النقابية، وهو ما لم تحرص عليه الحكومة قبل محاولتها فرض مناقشة المشروع بالبرلمان، فقد عبرت الهيئات النقابية بشكل صريح وقوي على رفضها لأي إجهاز على المكتسبات النقابية وحقوق العمال التي راكموها على مدى عقود من النضال والتضحية.

حيث أجمعت الإطارات العمالية في بلاغاتها المعبرة عن مواقفها من الممارسة غير الديمقراطية التي أقدمت عليها الحكومة، (أجمعت) على أن هذه الأخيرة تريد استغلال جائحة (كورونا) لتمرير قانون تكبيلي وتراجعي لحق الإضراب، مشيرة إلى أن هذا القرار الأحادي يعد إجراء استفزازيا، ويشكل تهديدا مباشرا إضافياً للسلم الاجتماعي في هذه الظرفية الاجتماعية والاقتصادية المتأزمة بالبلاد.
إن هذه الحكومة تبتغي تكبيل مختلف الفئات الاجتماعية المتوسطة والضعيفة على حساب كبار الشركات وأصحاب المشاريع والنافذين اقتصاديا وسياسيا، فقد منعت النقابات من ممارسة حقها في الاضراب إلا بعد مرور 30 يوما على توصل المشغِّل بملف مطالبها، وإجراء مفاوضات بين الطرفين.

وفي حالة اضطرار النقابة لخوض إضراب دفاعا عن حقوق العمال ومطالبهم المشروعة، فستجد نفسها مرغمة بقوة القانون الذي أرادت الحكومة تمريره في غفلة من الجميع، التقيد بمجموعة من الشروط مثل منع عرقلة حرية العمل خلال مدة سريان الإضراب، من خلال عدم منع العامل غير المضرب أو المشغل من ولوج أماكن العمل أو القيام بمزاولة نشاطه المهني.

كما فرضت الحكومة على النقابات تبليغ المشغل رسميا بتاريخ ومكان انعقاد الجمع الذي سيتخذ فيه قرار الاضراب قبل انعقاده بسبعة أيام، مع وجوب حضور ثلاثة أرباع أجراء المقاولة، وضرورة اتخاذ قرار الإضراب بالاقتراع السري بالأغلبية المطلقة، وتوثيق ذلك في محضر رسمي.

ليس هذا كل شيء، بل إن الحكومة فرضت على النقابات كذلك إبلاغ المشغل بقرار الإضراب 15 يوما قبل موعده. أما في حالة تنفيذ أية نقابة للإضراب، فقد اشترطت عليها الحكومة إبلاغ رئيس الحكومة، ووزارتي الداخلية والتشغيل، والمنظمات المهنية للمشغلين، وغيرها من المصالح ذات الصلة بالفئة العمالية التي ستقوم بالاضراب.

في مقابل كل هذه التقييدات والشروط التعجيزية التي تضرب في عمق حرية العمل النقابي، وحرصا منها على رهنه لمصالح أرباب المقاولات والشركات والمعامل والمتنفذين، فقد منحت الحكومة شيكا على بياض للباطرونا من أجل جلب عمال آخرين من غير المضربين ومن خارج المقاولة بهدف ضمان استمرار انتاجهم وعدم توقف عجلة مواردهم.

إن قانون تكميم أفواه المغاربة سيء الذكر ومشروع قانون الإضراب الذي وصفته النقابات العمالية بالرجعي والنكوصي، لايعدان إلا تجليا بسيطا لسياسة حكومية موغلة في الانتهازية واقتناص الفرص، في زمن انشغال الشعب المغربي بالقضايا الكبرى والمصيرية، لتمرير قوانين أقل ما يمكن أن يقال عنها أنها كتبت بمداد محبرة المصالح الخاصة والتوافقات الخفية مع أصحاب رؤوس الأموال والنافذين في عالمي المال والسياسة، درءً لكل ما قد يؤثر على مصالحهم ودفاعا عن امتيازاتهم.

خديجة الرحالي

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.