تخليق الممارسة السياسية في المغرب

0 409

متى نضع حداً لرذيلة التشهير؟

أصبح موضوع تخليق الممارسة السياسية المغربية ضرورة قصوى لمواجهة المزايدات الفارغة والاتهامات غير المؤسسة التي تشوه صورة الفاعلين السياسيين وتضعف الثقة في المؤسسات. فالسياسة ليست ميداناً للتجريح أو التشهير بيد شرذمة من المرتزقة، بل فضاء للنقاش المسؤول، المبني على التنافس الشريف لخدمة الصالح العام.
فلطالما شدد جلالة الملك محمد السادس في عدة خطب على ضرورة تخليق الحياة العامة وربط المسؤولية بالمحاسبة، باعتبارها دعامة أساسية لتحديث الدولة وتعزيز الثقة في المؤسسات. وعلى مستوى الفكر السياسي، أكد العديد من المفكرين على أن السياسة بلا أخلاق تتحول إلى أداة للهيمنة بدل خدمة المجتمع. فالمفكر ماكس فيبر تحدث عن “أخلاقيات المسؤولية”، التي تدعو الفاعل السياسي إلى التفكير في نتائج قراراته على المصلحة العامة. كما أن جون لوك ومونتسكيو شددا على أهمية ربط السلطة بالمساءلة والأخلاق كآلية لتحقيق العدالة.

الحملة الأخيرة التي استهدفت السيدة فاطمة الزهراء المنصوري تكشف عن هشاشة القيم التي تحكم بعض الممارسات السياسية. فهي المناضلة المعروفة بجديتها وحسها العملي وتاريخها المشرق داخل حزب الأصالة والمعاصرة، تتعرض لاتهامات غير موثقة، ما يعكس أزمة في أخلاقيات النقاش العمومي. فلم تكتفِ بعمودية مدينتها مراكش بكل حزم وكفاءة، وخياراتها الجريئة على رأس وزارة إعداد التراب الوطني والتعمير والإسكان وسياسة المدينة، بل حققت خطوة فارقة في مسارها السياسي حين أصبحت أول امرأة تقود حزب الأصالة والمعاصرة، وذلك في إطار قيادة جماعية تجسد روح العمل المشترك والمسؤولية الجماعية داخل الحزب. هذه المكانة تجعل استهدافها الشخصي غير مقبول، لأنه يضر بصورة المرأة المغربية المنخرطة في الشأن العام.

فنحن مطالبين اليوم قبل أي وقت مضى، بالمساهمة الفاعلة في ضبط الممارسة السياسية، عبر السهر على احترام القيم النبيلة والحد من الانزلاقات اللفظية والتصرفات التي تمس شرف الأشخاص. هذه الآليات الحزبية ينبغي أن تُفعل أكثر للرد على كل أشكال التشهير والمزايدات، مع تعزيز ثقافة الحوار المسؤول الذي يصون كرامة الجميع. النقد مطلوب وضروري، لكن يجب أن يكون موجهاً للأفكار والبرامج، لا للأشخاص. فالتشهير يضعف التجربة الديمقراطية ويمس بمصداقية المؤسسات، في وقت يحتاج فيه المغرب إلى حوار سياسي ناضج يعكس طموحات المواطنين.

إن ما تعرضت له السيدة فاطمة الزهراء المنصوري ليس مجرد قضية شخصية، بل هو إنذار لنا جميعاً لإعادة ضبط بوصلة الأخلاق السياسية وإنصاف هذه المرأة القوية والطموحة هو إنصاف لكل امرأة مغربية تناضل في سبيل التغيير، ولأجل مستقبل سياسي نظيف يُبنى على الاحترام والثقة المتبادلة.

الطاهر القور
رئيس اللجنة الوطنية للتحكيم والأخلاقيات

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.