ديمقراطية البيليكي!

0 1٬119

جمال مكماني

إن المتتبعين للشأن السياسي ببلادنا سوف يتفاجأون دون شك، وهم يتابعون الطريقة التي تدافع بها قيادات الحزب الحاكم لولايتين، على إبقاء القاسم الإنتخابي من خلال ربطه التعسفي بتهديد الديمقراطية. وتابعنا أيضا محاضرات في أهمية الديمقراطية ودورها في تشييد المجتمعات، وبناء مجتمع الرفاه والتقدم والرخاء. فهي حرب بلا هوادة على الجهل والأمية والتخلف والفقر، إنها تحقق تحرر الجماهير وتطلق العنان للإبتكار والاجتهاد بلا حدود، وعموما يمكن القول أنها المولدة التي تولد المجتمع الجديد من رحم المجتمع القديم. وبحكم أن الولايتين التي تولوا فيها الحكم، هي دائما كانت مبنية على المجهول، مستعملين كل أشكال الهمز والغمز لإِفْهام الناس أنهم ليسوا هم الحاكمين الحقيقيين، فإنهم يسعون دائما إلى المزيد من الحكم، خاصة وأن أكثر من عشر سنوات لم تكن كافية، لأن الزمن الحكومي يختلف عن الزمن العادي، وكذا لأن الطبيعة والمجتمع والفلك والثقافة والاحزاب والجمعيات والنقابات وكل ما يدب على الأرض، وجميع أشكال التنظيم الإجتماعي قد تكالبوا عليهم، من أجل أن لا يحققوا ولو خطوة إلى الأمام، مخافة أن يصابوا أولئك الذين لا يريدون للوطن أن يتقدم بمرض الرعاش. لقد حاولوا طيلة هذه المدة أن يروجوا لمنطق يخدمهم لوحدهم دون غيرهم يعتبر أن تجربتهم محاطة بالأشواك والأشرار وأعداء الديمقراطية ومناهضي العدالة والتنمية في نسختها المحلية والأخرى المستوردة من تركيا، والغاية هي إفشال هذه التجربة حتى لا يتم التفكير أبدا مرة أخرى في إمكانية تحقيق التقدم عن طريق الديمقراطية. نعم إن الديمقراطية هي الفزاعة التي تجعل هؤلاء الخصوم والأعداء بعيدين كل البعد عن التشريع والمساهمة في رسم الخرائط المتعددة لخلاص المجتمع بالتعبير المسيحي، خاصة وأنهم لا يشرعون إلا لأنفسهم ولمصالحهم جميعهم من يمينهم ووسطهم إلى يسارهم، بينما نواب الحزب الحاكم لا يشرعون إلا لعموم الجماهير وللمقهورين ولأولئك الذين لا يملكون إلا قوتهم البدنية لكسب قوتهم اليومي!!!

لقد سئم الحزب الحاكم من حكم كل الأحزاب، التي لا ترقى في نظره إلى وصفها كذلك، لذلك سوف تتم مقاومة جميع الأحزاب من أجل إبعادها عن السلطة، لأن ليس لها الحق في ذلك، ميزتها أنها أحزاب تسير بجهاز التحكم، وكل نخبها مشكوك فيها. فبإستثناء الحزب الحاكم لا يوجد حزب حافظ على بكارته، هم لوحدهم يفهمون في الممارسة السياسية السطحية بحيث يفوزون بحلاوة اللحظة ولكن بالحفاظ على شرفهم حتى ولو كانت هذه الممارسة من خلف الكواليس، فأحيانا بالإستقالة أو بالتلويح بها وأحيانا بتقسيم الأدوار ما بين متشدد وآخر لين. لا يوجد شبيه لهم، وحدهم من يمثل الحقيقة المطلقة، وحدهم من يمارس الديمقراطية، وحدهم من يمارس الممانعة، وحدهم من يمثل الديمقراطية فالتفكير في إبعادهم عن منصة الحكم يعني ذبح الديمقراطية، فالديمقراطية هم وهم الديمقراطية، فإما إحترام ما يدعون إليه والقبول بما يقترحون وإما التشكيك في كل شيء، حتى وإن كانوا أقلية، ما عادوا يتصورون أنفسهم خارج نِعَم وخيرات الحكم، لقد وُجِدوا لكي يحكموا وويلٌ لمن سوف يتجرأ على الإطاحة بهم وبحكمهم.

لما نستمع إلى هذا الخطاب المليء بكل أشكال المظلومية والنصب السياسي والإحتيال المبني على تدجين العقول وتعطيلها، يتضح لنا أن التدليس هو مهارة وقدرة سياسية يمتلكها ويتقنها من لا يمتلك أي شيء بغاية كسب كل شيء. فبدل أن تتم مساءلة هذه المجموعة التي حكمت البلاد لعشر سنوات، سوف يتم تعليق كل الخيبات على القاسم الإنتخابي، بمبرر أنه ساهم في ذبح الديمقراطية، التي سادت لولايتين. في محاولة بئيسة تعيد نفسها بشكل كاريكاثوري، لإعادة تبني البكائية ولعب دور الضحية أمام الجلاد الذي يظهر ولا يختفي، فهو لا يشبه ثعلب محمد زفزاف. يظهر خطاب المظلومية وهم في منصة الحكم، ويظهر حينما يقر الجميع ويقبل بشكل مسبق إبان كل محطة انتخابية بأنهم هم الأولى بالحكم، ويظهر أيضا لما يحاول أي حزب سلبهم حكمهم. إن مستقبلهم لا يكمن في السعي نحو تحقيق السلم الإجتماعي الذي يعتبر أحد مقومات الاستقرار، بل يوجد في جوهر خلق بؤر التوثر وحالة اللاستقرار كمناخ ينتعشون فيه، فالإضطراب شيء حسن بالنسبة لهم ومطلوب لذاته في هذا السياق. إنه الحل السحري الذي يضمن تواجدهم، فهم يعون جيدا أنه خارج دائرة الابتزاز وتقديم العربة أمام الحصان والعربدة السياسية، سوف يجدون أنفسهم داخل متحف الآثار إلى جانب الفأس البرونزية والمحراث الخشبي.

صحيح أنهم لا يملكون استراتيجية منظمة اجتماعيا ومتحكم فيها بطريقة واعية لتوفير شروط تعبئة القوى المنتجة داخل بلادنا، ويسعون حقيقة إلى التطبيق الحرفي للوصفات والتركيبات التقنية الجاهزة من أجل تحقيق التطور الاقتصادي. بل إنهم لم يمتلكوا الجرأة طيلة هذه السنوات المهمة من مسيرتنا كأمة، حتى في التفكير في خلق نخبة مالية وطنية، تساهم بحس وطني في التأثير على السياسة الاقتصادية العامة للدولة، ومع ذلك فإنهم ينتجون الكلام في الإنجازات وتحقيق السلم والاستقرار، لذلك فإني أعتقد أنهم يتحدثون عن الإنجازات الفردية ولا تهمهم إنجازات الوطن. إنهم لا يفكرون ولا يخططون لكيفية التعامل مع المواليد الجدد الذين يتطلبون مقومات العيش الكريم، وكذا الأطفال الذين يتزايدون بشكل مستمر ويحتاجون إلى مدارس لإستقبالهم… إننا نعي أن كل الإجراءات المستخدمة لحد الآن لم ولن تحول دون ارتفاع البطالة وقلة التشغيل، ونعلم أيضا أن مستوى معيسة أغلبية المواطنين في تراجع مستمر، نتيجة رفعهم للأسعار ولقيمة الضرائب وتجميدهم للأجور والمناورة بخصوص ذلك… ورغم كل هذه المآسي المدنية وهذه الأضرار الجسيمة فإنهم يطلبون كل يوم أن تتم مسامحتهم على ذلك، خوفا عن الديمقراطية وعن وصول أحزاب التحكم إلى منصة الحكم، لأن وصول هؤلاء إلى ذلك أقبح من سياسات التفقير والتجويع التي ينهجوها منذ وصولهم إلى السلطة. لقد أدمنوا على ممارسة خطاب المظلومية، لذلك نجد وزيرا سابقا وعمدة ممن خاطب المواطنين أياما قليلة على أنه لا يريد أن يشتغل “بيليكي” يحاضر في الديمقراطية ويدعوا بدون حياء إلى حل حزب سياسي، يشكل القوة السياسية الثانية ببلادنا، لا لشيء إلا لكونه قاد النقاش السياسي حول المحطة الإنتخابية القادمة في مصادرة واضحة للحق في الإختلاف. ويتحدث بطريقة تعكس كل ما قيل في الفقرات السابقة، يصرح بأنهم هم الحرس الوفي للديمقراطية بينما الباقي أعداء، وتم ربط التفكير في إزاحتهم انتخابيا من منصة الحكم يشكل دبح للديمقراطية، مبتزا مؤسسة دستورية يقدم لها الدلائل الوهمية من أجل التأثير عليها، ومحاولة الضغط عن طريق التوجه إلى الرأي العام عبر تغليطه وممارسة التدليس عليه…
لكل ذلك فإننا سوف نطمئنك منذ الآن أننا سوف نتوجه هذه المرة لحصيلتكم وماذا قدمتم للمغاربة طيلة هذه المدة من ممارستكم للسلطة، أما ما دون ذلك فيدخل في إطار المهاترات السياسية الرامية إلى استبدال الأسئلة الحقيقية بالأسئلة الزائفة. تستطيعون أن تكذبوا على بعض الناس لبعض الوقت، لكن لن تستطيعوا أبدا أن تكذبوا على كل الناس كل الوقت.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.