شعبُ الملك المواطن

0 1٬420

ذ. محمد التويمي بنجلون

افتتحت قبل يومين المؤسسة الدستورية الثالثة ببلادنا ” مجلس النواب ” أشغال دورتها الثانية من السنة التشريعية الرابعة من الولاية التشريعية العاشرة، في ظروف خاصة جدا وتحت وطأة تدابير و إجراءات استثنائية لمواجهة جائحة فيروس كورونا التي تجبرت على أعتى الأنظمة السياسية بالعالم. هكذا عاد البرلمان المغربي للعب أدواره التقليدية و الطبيعية من تشريع القوانين الوطنية و إعمال الرقابة على مقررات العمل الحكومي .

فإذا كان مجمل من أرّخ للتاريخ الإنساني قد اتفق على اعتبار الحكومات ( كمؤسسات حكم حصرية ) أدق توصيف للوضعية الاقتصادية، الثقافية، الاجتماعية ولاسيما السياسية لشعوبها، فإن تطبيق ذلك على بلد اسمه المغرب لاشك سيحدوا بنا إلى معاكسة هذا التيار. فكيف لنا اليوم بعدما استشعر المغاربة بشكل مقعد على أرض الواقع المعنى الملموس لأهم العبارات الذهبية المنصوص عليها في ميثاق الأمة و المحددة للأطر المعيارية لنظام الحكم بالمغرب، أليس الملك هو رئيس الدولة، و ممثلها الأسمى، ورمز وحدة الأمة، وضامن دوام الدولة و استمرارها … (الفصل 42 من الدستور)، ألا يرتكز نظام الحكم بالمغرب على ملكية دستورية ديمقراطية برلمانية – ولاسيما – اجتماعية (الفصل الأول من الدستور).

لقد اعترف عالم الاجتماع و الفيلسوف إدغار موران قبل حوالي الشهر، ” إن العالم اليوم يتغير بشكل جدري، وأن عالم ما بعد كورونا لن يكون أبدا كسابقه ”، فعلى الصعيد السياسي الوطني أبانت الطبقة السياسية الحاكمة ببلادنا، عن استمرار غير مقبول لنزيف القرارات الحكومية الإرتجالية إذ صرح رئيس الحكومة بشكل مذاع على مختلف قنوات التواصل الإعلامية المرئية و المسموعة في أول رد فعل رسمي إزاء هذه الأزمة بتوجيه المواطنين إلى الاقتناع بعدم استساغة ارتداء الكمامات الطبية الوقائية من هذا الداء الذي سجل منذ أيام 108.042 وفاة عبر ربوع العالم، في غياب تام لمؤسسة التواصل الحكومي و التي أجبرت رئيس الدولة على إشهار الفصل 47 من الدستور الحامل لصلاحية الإعفاء من التكليف الملكي لوزير الثقافة و الشباب و الرياضة الناطـــق الرسمــي بإســـــم الحكومــــة، كقرار يصنف حكومة مشكلة من أحزاب تتناقض مرجعياتها و تختلف جذريا برامجها الانتخابية التي صوت على أساسها المواطنون بحكومة انعدام الكفاءة باستثناء سلطات حكومية تعد على رؤوس الأصابع.

لقد اختار رئيس الدولة في ظل أزمة كورونا ( كوفيد 19 ) الدولية و التي أرخت بضلالها على مختلف مناحي الحياة ببلادنا في مواجهة حكومة عرف عجزها البنيوي على صناعة حلم وحدوي للمغاربة – اختار- تعطيل العمل بالفصل التاسع و الخمسين من الدستور المغربي و هو مكنة دستورية لإعلان حالة الاستثناء الوطنية بما يخول لملك البلاد تدارك قرارات حكومية خارج السياق باتخاذ جميع الإجراءات التي تمكنه من رفع هذا الوباء عن بلادنا، وإذ داك حافظت مؤسسات الدولة على السير العادي لأجهزتها وهو الأمر الذي يستشف من إصدار مرسومين بقانون يهم كل منهما تدبير هذه الوضعية الاستثنائية التي نعيشها، سواء في ما يتعلق بإعلان حالة الطوارئ الصحية أو سقف الاقتراض الخارجي. لقد أكد ملك البلاد في ظل هذه الأزمة أن لا تراجع على الاختيار الديمقراطي وأن دولة المؤسسات ليست شعارا بقدر ما هي تفعيل يومي لكل الأدوار الطلائعية التي يجب أن يتحمل فيها كل فاعل مسؤولياته ومن ذلك جاءت القرارات الملكية الإستباقية على شكل تعليمات للحكومة ولاسيما في باب احتواء الأزمة اقتصاديا و الحد من تداعياتها اجتماعيا بما لا يمس بالأمن الصحي و الغذائي ببلادنا، وهكذا سجل إلى حدود اليوم استفادة أزيد من 1 مليون و 500 ألف مواطن و مواطنة بكل ربوع المملكة من صندوق مواجهة جائحة فيروس كورونا الذي أحدث بمبادرة ملكية أتبتت أن العطاء المغربي لا ينضب، وأن خصوصيتنا في تضامننا اللامشروط و في تآزرنا المشهود وقت الشدة و الصعاب هكذا سجل الصندوق كورونا مساهمات بما قيمته 26 مليار درهم في ظرف 24 ساعة الأولى من إحداثه، لقد أبانت هذه الأزمة العابرة من دون شك عن المعدن الأصيل لمواطن جيل ما بعد المصالحات الوطنية، مواطن العهد الجديد، مواطن المغرب الموحد تحت قيادة رشيدة لملك قائد و قدوة ألم يكن ملكنا سباقا لوضع كمامة طبية وقائية في صورة ذي دلالات عميقة على نفوس المواطنين، لنجد أنفسنا جميعا في موقع استلهام الدروس و التقاط العبر الدالة :

ان جبهات المعارك التي تنتظرنا بعد انجلاء هذه الأزمة كثيرة اقتصاديا و اجتماعيا و سياسيا لكن مداخل ربحها بيدنا، فقد عرت عنها أزمة كورونا ووضعتها بين يدينا على طبق من ذهب .

إننا أمام معركة التحديث، سواء على مستوى مسايرة التحولات العميقة في باب استدماج الآليات الرقمية في الحياة العامة، وفي تعليمنا الوطني بشكل خاص وآني بما يحد من انعدام تكافئ الفرص الذي وجدت وزارة التربية الوطنية و التعليم العالي ومعها أسرة التعليم نفسها أمامه إبان هذه الأزمة ثم إننا أمام معركة وضع القطاعات الاجتماعية وفي مقدمتها قطاع الصحة على رأس أجندة الدولة، أما عن الحماية الاجتماعية فقد غدت رهانا تلزمنا كرامتنا بضرورة ربحه وفي أفق ذلك التعجيل بإصدار مشروع قانون رقم 72.18 الذي يهم إحداث منظومة استهداف المستفيدين من برامج الدعم الاجتماعي و بإحداث الوكالة الوطنية للسجلات .

حفظ الله وطننا العزيز آمنا تحت الرعاية السامية لملكنا الهمام .

عضو البرلمان المغربي ونائب رئيس مجلس النواب

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.