كورونا درس في المواطنة

1 886

جمال مكماني

أبانت أزمة كورونا عن أشكال تضامن واسعة داخل بلادنا، سواء بين المؤسسات في علاقتها بالأفراد، أو بين الأفراد في علاقتهم بالمؤسسات، أو بين الأفراد في علاقتهم ببعضهم البعض، والهدف هو محاصرة الآثار السلبية للأزمة على الفئات الأكثر هشاشة داخل المجتمع. كما حركت هذه الأزمة تمركز الأفراد على حياتهم الخاصة حيث تنامت ظاهرة الإهتمام بالمجال العمومي وظهرت الجدوى من أهمية الثقة في المؤسسات.

إن تقاطع مساحات الضوء التي تمتد اليوم على رقعة شاسعة من داخل وطننا، ينبغي الإشتغال على تعزيزها بشكل دائم، وأن نمنحها المضمون الذي يجعل من هذه القيم سلوكا تعويديا لدى المواطن، حتى نساهم في مصالحة المجتمع المتحول مع قيمه الأصيلة لا في مواجهتها. وحتى لا نجعل من هذه القيم شبيهة بالورود المقطوفة والموضوعة في إناء، أي لا ينبغي أن تكون مبثورة من جذورها.

وبما أن المواطنة هي قيمة القيم، ولا محيد عنها في مسيرة بناء الدولة المواطنة، فإن المطلوب اليوم هو إيلاء الأهمية القصوى لهذه القيمة وجعلها في صلب جميع منافذ التربية، كما أن الضرورة تقتضي اليوم التفكير في آليات وطرق جديدة كخيارات تطرح أمام المجتمع المغربي، من أجل تدشين نقاش عمومي بخصوص ميثاق جديد للمواطنة كأفق حضاري لمعالجة الإختلالات الأساسية التي تعاني منها بلادنا.

لقد ظهرت بالملموس غايات وجود الدولة، وصفق الجميع للإجراءات الإستباقية التي اتخذتها للحيلولة دون انتشار هذا الوباء الفتاك، وبدأت تتشكل ملامح ذلك الحلم الجماعي في سيادة الدولة على مستوى قراراتها التي تضع مصلحة المواطن قبل مصلحة الشركاء؛ دولة مواطنة تجعل من حياة المواطن هو ذلك المقدس الذي لا يجوز تدنيسه تحت أي مبرر كان؛ وهنا تصح بشكل لا جدال فيه مقولة أن ” الأحداث الكبرى هي التي تمنح للدولة قيمة ومعنى”. وبمقابل كل ذلك، ظهر أن الموقف الذي يتخذه المواطن اتجاه القوانين، يتحدد بدرجة معرفته بالمبررات التي تقتضيها تلك القوانين في إطار تلك المعرفة الضرورية للمواطن بثنائية الحق والواجب. لقد تابعنا أن المواطنين هم الذين يدافعون على مجموعة من القوانين التي شرعتها الدولة لمواجهة هذه الأزمة، وهم الذين يحاولون إقتراح الحلول للعديد من الصعوبات التي يواجهها تحدي الحجر الصحي، دون أن ننسى كيف يطالبون بالتطبيق الحرفي للقوانين ضد كل من سولت له نفسه بخرقها، وهي التي تحرص على احترام قواعد التدبير المشترك للأزمة في إطار العيش المشترك. ليتم التأسيس لتجاوز الخصوصية الفردية للمواطن كمتمركز حول ذاته نحو المواطن الذي يعطي أسبقية للمشترك الجماعي ويسعى إلى القيام بمسؤوليته الذاتية من أجل تحقيق الحلم الجماعي.

المواطنة ليست معطى بل المواطنة بناء، تتطور بتطور المجتمعات، وتتشكل في إطار عقلنة التدبير الجماعي للعيش المشترك، وبالتالي لا يمكن أن تساهم بشكل تلقائي في تنظيم الحياة الجماعية للأفراد، بل تتم تنميتها وتعزيزها عن طريق مأسستها في ممارساتنا وسلوكاتنا الجماعية، والتربية عليها بالتشجيع على النقاشات المجتمعية حول كل ما يتعلق بتفاصيل تدبير العيش المشترك داخل المجتمع التعددي. وما قد ييسر من هذه المهمة، هو كون المواطنة باعتبارها قيمة القيم، فهي لا تحتاج إلى تبريرات حولها لخلق التراضي بخصوصها.

إن المواطنة التي نبتغيها اليوم، والتي يمكن أن نجازف بالقول أن ملامحها الأولى ظهرت بشكل جلي خلال هذه الأزمة، ينبغي أن تكتمل بالإستناد على أننا نحيا جميعا في إطار المصير المشترك، فإما النجاح للجميع وإما الخسارة للجميع. وتصوروا معي في إطار الحلم المشروع، لو كنا نشتغل منذ زمان بعيد وفق هذه المعادلة، كيف كان سوف يكون حال تعليمنا وحال صحتنا وحال اقتصادنا…؟؟!!!

لذلك يمكن القول أن أزمة كورونا ينبغي أن نستوعب من خلالها أكبر قدر من الدروس، ولعل أعظم هذه الدروس هو درس المواطنة، الذي يحتاج منا إلى إعمال العقل بخصوصه بطريقة تأملية عميقة.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

تعليق 1
  1. رشيد المتوكل يقول

    كلام معقول لمادا بعض الرموز عندكم مازلت طاغية لحدود الان مثلا رئيس الجماعة الحضرية بالزمامرة