كورونا .. والعولمة ؟

0 840

أسمـــاء علالي

إلى حدود أواخر 2019، كان العالم قرية صغيرة، كانت الصين تشتري الكاكاو من مدغشقر والسمك من المكسيك، وكانت أمريكا تقتني جزيئات الهواتف والكمبيوترات وأجزاء صناعة الآليات من آسيا وتصدر الهواتف (شركة آبل مصنعة هواتف آيفون على رأس الشركات المصدرة الأمريكية) والسيارات (فورد، وشيفروليه) إلى العالم، وهكذا ..

تدور عجلة الإنتاج في أنحاء العالم ومع حركة المصانع تدور عجلة التجارة العالمية في نظام يجعل العالم كله هيكلا واحدا يكمل بعضه بعضا، وتدور حركة نقل البضائع البحرية والجوية ليل نهار بلا توقف.. الموانئ التجارية ونقط تفريغ السلع في المطارات تشتغل ليل نهار ..وتدور اليد العاملة في أمواج الشغيلة المتدفقة كل صباح في كل أرجاء الدنيا.

وكانت هذه هي العولمة، رواج التجارة العالمية يدفع عجلة الإنتاج، وهو بدوره يدفع عجلة الشغل، وهي بدورها تدفع عجلة الاستهلاك، وهكذا دواليك .. هكذا كان النظام الاقتصادي مبنيا على مبدأ الاستهلاك المبني بدوره على مبدأ العولمة …

إلى حدود زمن كورونا ..

أغلقت الحدود وتوقفت السفن والطائرات، توقفت الموانئ والمطارات، توقفت التجارة العالمية، واكتشفت الدول، فقيرها وقويها، أنها أصبحت أسيرة العولمة، وأن بعض حاجياتها الضرورية تتحكم فيها دول أخرى. وأن الصين -على سبيل المثال- لم تعد تبيعها الكمامات بكبسة زر كما المعتاد وأن استقلالها الإنتاجي مسألة حياة أو موت..

اكتشف العالم أن العولمة أمر خطير، وأن القرية التي كان يظنها صغيرة أصبحت غابة متوحشة يحكمها قانون الغاب، وأن الموانئ والمطارات أصبحت ساحات معركة يحكمها القراصنة.

قبل كورونا كانت العولمة .. ثم ماذا بعد ؟؟

ستتوقف المناولة حيث الإنتاج الأقل تكلفة لصالح الإنتاج الوطني، سيتوقف الاستهلاك الخارجي إلا للسلع الأساسية والمواد الطبيعية، وستتغير جذريا الخريطة الاقتصادية العالمية.

سينتقل محور الإنتاج، المرتكز إلى حدود الساعة في قطبين اثنين عالميا، نحو نظام اللاتمركز والانتشار ونحو نظام الاستقلال.

ستجد الدول النامية نفسها أمام الرهان المصيري: إما الانخراط في بناء نظامها الاقتصادي الداخلي المستقل، أو الانزلاق في غياهب العبودية الاقتصادية ؟؟

ستلعب الدول النامية دورها في كسب رهان تحقيق نهضتها الداخلية، وتحقيق استقلالها الإنتاجي على جميع الأصعدة، وكسب رهان استهلاك منتوجها الداخلي، وكسب رهان تكوين ذخيرتها من اليد العاملة المؤهلة والتي تصبح في نفس الوقت أساس الاستهلاك في أسواقها الداخلية.

ستتغير جذريا حركة التجارة العالمية، وتنحسر بشكل كبير حركة الملاحة التجارية سواء البحرية أو الجوية حيث ستقتصر المبادلات على المواد الأساسية، وتتنفس الأسماك والطيور الصعداء وترتاح البحار ويرتاح الهواء من زخم نظام العولمة.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.