نساء منتخبات تؤكدن على أهمية الارتقاء بمكانة المجالس الترابية وتمكينها من صلاحيات أوسع وإمكانيات أكبر

0 1٬049

نظمت، نساء الأصالة والمعاصرة، مساء الـأحد 31 ماي 2020، ندوة رقمية “عن بعد” حول موضوع “المرأة المنتخبة وتدبير الشأن الترابي في خضم جائحة كورونا”، بمشاركة رئيسة مجلس جهة طنجة تطوان الحسيمة السيدة فاطمة الحساني، وعضو الفريق النيابي للحزب/ رئيسة جماعة آيت زدك السيدة غيتة آيت بلمدني، ونائب رئيس لجنة التنمية الاقتصادية والاجتماعية بمجلس جهة الشرق السيدة حورية ديدي، والمناضلة/ الطالبة الباحثة في سلك الدكتوراه تخصص الاقتصاد والحكامة بكلية الحقوق- جامعة محمد الخامس السويسي-الرباط. فيما تكلفت عضو المجلس الوطني لحزب الأصالة والمعاصرة ذة.نادية بوزندفة بتسيير أشغال الندوة.

– فاطمة الحساني: تدخل مجلس جهة طنجة تطوان الحسيمة خلال جائحة كورونا كان “استعجاليا” وشمل مجالات مختلفة

بداية، وباسمها الشخصي واسم كل أعضاء وأطر مجلس الجهة، قدمت السيدة فاطمة الحساني تعازيها الحارة في وفاة ابن طنجة وابن المغرب القيادي الوطني ورجل الدولة السيد عبد الرحمان اليوسفي، (تعازيها) للأسرة الصغيرة والكبيرة للفقيد المتمثلة في حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية والمغرب ككل، معتبرة أن الراحل كانت له بصمة هامة على مستوى الانتقال الديمقراطي في بلادنا.

وفي معرض حديثها عن موضوع الندوة، أشارت الحساني، إلى أن الجائحة تعتبر موضوع الساعة والعالم أجمع منشغل بها وكانت لها تداعيات مختلفــــة. أزمة فجائية تكشف عن ذاتها في الوقت الذي كانت فيه المجالس الترابية تمارس اختصاصات واضحة والمهام الموكولة لها وفق مساطر معينة وفي حدود ما يمكنها القيام به خاصة وأن الطموح اليوم هو أن المضي بورش “الجهوية المتقدمة” نحو الأمام. لكن ومع تفشي الجائحة، تقول الحساني، وجدت المجالس الترابية وضمنها مجالس الجهات، (وجدت) نفسها تمارس مهاما في إطار “التدبير الاستعجالي” وفقا لمرسوم قانون.

صدور المرسوم بقانون، تقول الحساني، تلاه إصدار دوريات ومناشير على مستوى كل قطاع وزارة، وبالنسبة للمجالس الترابية كان الاحتكام إلى دوريتي وزارة الداخلية، تنص أولاها على أنه يحق لمجالس الجهات القيام بتحويلات على مستوى ميزانياتها أو إعادة البرمجــــة أو فتح الاعتمادات من أجل القيام بتدابير لمواجهة هذا الوضع الاستعجالي. فيما أوصت الدورية الثانية بالتدبير الأمثل وترشيد نفقات الجماعات الترابية برسم سنة 2020. نفقات واعتمادات تصب بشكل كلـي في مواجهة الجائحة.

وقالت الحساني، إن تدخل المجلس كان بشكل عاجل عبر الدعم الغذائي للأسر المتضررة خصوصا فئة المياومين والأجراء في المقاولات –التي توقفت إثر تفشي الفيروس- من الجائحة، حيث تم توزيع ما يقارب 70000 قفة بمعدل 8500 قفة لكل عمالة وإقليم من باب إحقاق “العدالة المجالية”، تحت إشراف السلطة المحلية على مستوى كل جماعة بالجهـــة حفاظا على كرامة الأسر وتفاديا للاختلاط وتفعيلا لتدابير الحجر الصحي. كما خصص المجلس مساعدات غذائية لحوالي 1000 أسر تضم: المهاجرين، اللاجئين وطالبي اللجوء القادمين من دول إفريقيا جنوب الصحراء (بالنظر إلى أن الجهة تعتبر منطقة عبور) إضافة إلى سوريين، يمنيين ويابانيين، حيث أنهم يعيشون أوضاعا تفاقمت مع فرض حالة الطوارئ الصحية.

وانصب تدخل مجلس الجهة على مجال التعقيم حفاظا على سلامة وصحة الساكنة، حيث تم اقتناء 8 شاحنات صهريجية مخصصة لهذا العرض، إضافة إلى توزيع 16 طنا من مواد التعقيم على عمالتي وأقاليم الجهة (بمعدل 2 طن لكل عمالة وإقليم)، في حين وضعت الشاحنات رهن سلطات الولاية وبالضبط مصلحة حفظ الصحـة من أجل أن تشرف على عمليات توجيهها (الشاحنات) لتقوم بمهامها على مستوى عمالتي وأقاليم الجهة وفق برنامج محدد أساسها تعميق الشوارع والأزقة، ومختلف المرافق.

وعلى الصعيد الاقتصادي، أبرزت الحساني أن تدخل المجلس تمثل (مع الاستفادة من فترة الحجر الصحي ومساهمة أطر الوكالة الجهوية لتنفيذ المشاريع) في إنجاز دراسات بالنسبة للمشاريع قيد الاشتغال تهم البرامج التنموية للجهة، في حين أن الدراسات التي كانت معدة سلفا جرى إطلاقها بالتزامن مع التوصل مع طلبات العروض بشأنها وبالفعل رست العديد من الصفقات لصالح شركات، ومباشرة بعد رفع حالة الطوارئ الصحية ستنطلق الأشغال في الأوراش، وهذا الأمر سيساهم لا محالة في حماية المقاولات الصغيرة والمتوسطة دعما لها ومساندة لها. وأكدت الحساني أن عمل المجلس لم يتوقف طيلة فترة حالة الطوارئ الصحية، بحيث تدخل في مجالات ليست من صميم اختصاصاته، وفي نفس الوقت تدخل في مجالات الاختصاص اعتمادا على مجموعة من الآليات والأدوات ومن ضمنها “الرقمنة”.

الحساني أوضحت في نفس السياق أن مجلس الجهة لديه مشاريع جاهزة لها اعتماداتها لتحريك العجلة الاقتصادية من خلال اعتماد مالي قدره 2 مليار درهم وبمواكبة الوكالة الجهوية لتنفيذ المشاريع. إضافة إلى تفعيل مجموعة من اتفاقيات الشراكة مع عدة مؤسسات تصب في مجملها في خدمة الساكنة حسب الأولويات. خاصة وأن الجائحة أوضحت أوجه الخصاص: الصحة، التعليم، وهي اختصاصات منقولة، لكن الجهة تمارسها، حيث تدخلت أكثر من مرة بهذا الخصوص في إطار شراكة اقتناعا من مجلس الجهة بأهمية تفعيل اختصاصات ترابية حقيقية في هذه المجالات رغم ضعف الدعم.

واعتبرت رئيسة مجلس جهة طنجة تطوان الحسيمة، أن هناك حاجة ماسة لنخب جهوية حقيقة قادرة على الانخراط في الأوراش التنموية التي تعيشها بلادنا. إضافة إلى الارتقاء بالخطاب التداولي مجتمعيا وتعزيز التضامن والتكافل والرفع من منسوب “تمغربيت” خاصة وأن بلادنا كسبت رهان تحدي الوباء بفضل الرؤية الملكية السديدة. داعية بالمقابل إلى تقوية التسريع بتفعيل اللاتمركز، بحيث أن القرار يجب أن يكون اليوم عند المصالح اللاممركزة، ولا مناص من التعاون مع السلطات المحلية وخاصة الولاة. دون إغفال كون المجتمع المدني يلعب أدوار طلائعية في هذا المسار، ومجلس الجهة يوفر بهذا الخصوص أدوات اشتغال النسيج الجمعوي على أساس تنزيل جيد لقواعد “الديمقراطية التشاركية”. ودعت الحساني في سياق متصل إلى بذل الجهد على مستوى الاجتهاد فيما يخص خلق الثروة واستغلال البعد الترابي في هذا السياق.

– غيتة آيت بلمدني: نؤكد على دعم الجماعات الترابية في مغرب الهامش مع تطوير التشغيل الذاتي خاصة في مجالات لها علاقة بالخصوصية الجهوية

من جانبها، أوضحت السيدة غيتة أيت بلمدني أن الجائحة لم تكن متوقعة ولا منتظرة، وبالتالي فالجماعات الترابية وضمنها جماعة أيت إزدك كانت تعيش إكراهات ومع الجائحة انضافت إكراهات أخرى، خصوصا وأن الجماعة -في إطارها العام- موكل إليها تدبير الشأن المحلي أي تجسيد سياسة القرب تنظيرا وتطبيقا بشكل يومي ومباشر. وأشارت بلمدني إلى أنها عملت على التواجد المستمر بالجماعة طيلة فترة الجائحة لتقديم كل أشكال الدعم والمساندة لفائدة ساكنة أيت إزدك، وكذا العمل على أن تواصل الجماعة مهامها في توفير الخدمات للمرتفقات والمرتفقين (سواء عن طريق “المداومة”، أو التطوع …).

إلى ذلك قالت بلمدني أن الجماعة التي تشرف على تدبير شؤونها توجد في منطقة جبلية تتميز بصعوبة التضاريس والمسالك الوعرة والهشاشة وعدد من تمظهرات التقلبات المناخية (الفيضانات، انجراف التربة …). كما أن ساكنة الجماعة تنقسم إلى 3 فئات، وهي: الرحل الذين يعيشون في بحث مستمر عن الماء والكلأ لقطيعهم من المواشي حيث وجدوا أنفسهم في عزلة –إثر تفشي الجائحة- ولم يتمكنوا من بيع جزء من مواشيهم خصوصا وأن معيشهم اليومي مرتبط بعملية البيع داخل الأسواق الأسبوعية المنتشرة على امتداد تراب الجماعة. ثم هناك فئة الفلاحين الذين يمارسون فئة معيشية وصغيرة جدا والوباء تسبب في وقفها. أما الفئة الثالثة فنشمل المياومين حيث أن جهة درعة تافيلالت بقدر ما تصدر العقول والأدمغة، فإن كذلك تعد مصدرا للعمال المياومين، هؤلاء هم اليوم في وضعية صعبة اجتماعيا واقتصاديا، وفي حاجة إلى الدعم المادي المستمر (القفة على رأس كل مدة قصيرة). وذكرت المتحدثة أنه على المستوى الاجتماعي قامت الجماعة بتحويل ميزانية التسيير لدعم المعوزين وكذا المساهمة في تعقيم القرى والدواوير. وإذا كان مجلس الجهة لم يلتزم بأي شيء، فهناك دعم من المتطوعين أبناء المنطقة: فلاحين كبار ومتوسطين، رجال أعمال ومقاولين.

أيت بلمدني ذكرت كذلك أن الجماعة عملت على القيام بالتعقيم، ودعم الأسر والتوجيه على مستوى الاستفادة من الدعم العمومي خصوصا أن المواطن يعتبر أن رئيس الجماعة هو المكلف بالإجابة على كل الاستفسارات المرتبطة بحاجيات المواطن خلال فترة الجائحة.

وخلصت المتحدثة إلى أنه آن الأوان تفعيل برنامج في إطار من الالتقائية بتنسيق بين الجميع: الحكومة، مختلف المتدخلين، المجتمع المدني، والتدبير يجب أن يكون جماعيا عبر الجماعة الترابية لأنها تعتبر الأقرب إلى الساكنة والأدرى باحتياجاتهم المختلفة. فالمواطن ينتظر من المنتخب الإجابة على التساؤلات المختلفة وهذا حق مشروع له، والمنتخب يمثل المواطن من باب أداء مجموعة من المهام والاختصاصات المنصوص عليها قانونيا، مع تمكينها من الموارد الأساسية سواء الدعم العمومي أو ما يتعلق بالمالية المحلية (بناء على واقع كل جماعة ترابية).

وجددت آيت بلمدني تثمينها مقترح البام البرلماني من أجل تمكين الجماعات من تفويض على مستوى تدبير قطاع الصحة، لكن يجب أن يكون الدعم بهذا الخصوص كبيرا، تقول آيت بلمدني، وإعادة النظر في إعادة هيكلة الجماعات بشريا وماليا ولوجيستيكيا، إضافة إلى تقوية العلاقة المؤسساتية مع المرافق ذات الصلة بشأن الصحــــة. ودعت رئيسة جماعة أيت زدك في الأخير إلى دعم التشغيل الذاتي خاصة في مجالات لها علاقة بالخصوصية الجهوية.

– حوريية ديدي: ستكون الجهات في حاجة إلى استقلالية أكبر وتوسيع للصلاحيات ودعم عمومي أكبر بعد الجائحة

ومن موقعها، السيدة حورية ديدي وجهت التعزية للعائلة الصغيرة والكبير للفقيد عبد الرحمان اليوسفي، كما ترحمت على وفيات الجائحة وتمنت للمصابين الشفاء العاجل.

الجائحة جاءت بغير استئذان، وكانت هناك مساعي كبيرة وسريعة لاتخاذ ما يلزم لمواجهتها على المستوى الوطني عامة وبجهة الشرق خاصة، تقول ديدي، منوهة بقرار إحداث صندوق محاربة كورونا الذي جاء في وقته وأسدى خدمات جليلة في تدبير الجائحة. موضحة أن الاستجابة من مجلس الشرق رئاسة ومكتبا مسيرا وأطر وموظفين للمساهمة في الصندوق المذكور كان عبر التنازل عن تعويضات شهر.

واتخذ المكتب المسير للمجلس مجموعة من الخطوات للتخفيف من آثار الجائحة لحماية الساكنة صحيا واجتماعيا، إضافة إلى تسخير آليات مركز الإغاثة (المحدث قبل الجائحة) بآلياته من أجل التدخل والمساهمة في عمليات التعقيم، تعقيم شمل الأقاليم الثمانية للجهة بكل مرافقها .ورصد المجلس 50 مليون لتغطية هذه النفقات التي جاءت بناء على الاجتهاد في زمن الطوارئ، إضافة إلى مبادرة لدعم الأطر الصحية والتمريضية التي كانت في الصفوف الأمامية لمواجهة الوباء، وكذا تقديم الدعم الغذائي للأسر المتضررة من الجائحة.

كما أن مجلس الجهة بادر إلى تفعيل دوره التنموي اجتماعيا إلى حين إيجاد الصيغة القانونية لتفعيل متدخل أكبر، وأطلق حملة للتبرع بالدم. كما أن المنتخبين التزموا بالحجر الصحي، لكن التواصل لم ينقطع مع الساكنة عبر مختلف الوسائل التكنولوجية المتاحة، وساهم في توعوية على مستوى كيف الحصول على الدعم العمومي والمساعدات التي قدمت في هذا الإطار سواء من طرف الدولة أو المجالس المنتخبة.في حين كان المواطنون متجاوبون بشكل جيد مع توجيهات السلطات العمومية وكذا المؤسسات المنتخبة وباقي المتدخلين.

وأوضحت ديدي، أنه وقبل الجائحة، قام مجلس جهة الشرق بإعداد ورقة حول الوضع الصحي بالجهة، فاخذ المجلس المبادرة بتجهيز عدد من المؤسسات الاستشفائية بالجهة (وجدة، الناضور ..) على اعتبار أن المسألة الاجتماعية كانت دوما في حاجة إل تدخلنا. وما يجب تداركه هو أن برنامج التنمية الجهوية يحتاج إلى تعديل خصوصا فيما يتعلق بالتدخل السوسيو-اقتصادي والتدخل على مستوى الصحة لمواكبة مختلف حاجيات الساكنة، في انتظار تحقيق العدالة المجالية على مستوى هذا القطاع الحيوي الهام. وأثناء الجائحة يجري التنسيق مع السلطات العمومية وأساسا المركز.

لكن بعد الجائحة، تقول ديدي، ستكون الجهات في حاجة إلى استقلالية أكبر وتوسيع للصلاحيات ودعم عمومي أكبر، فالجهة الشرقية –على سبيل المثال- تعيش وضعا اجتماعيا واقتصاديا صعبا ناجما عن أسباب مختلفة خاصة وأنها منطقة حدودية، إضافة إلى ضعف المشاريع الاستثمارية وحتى الدعم العمومي المخصص للجهة الشرقية يظل غير كاف. إذن فما تم تحقيقه يعود فيه الفضل إلى اجتهاد المجلس رئاسة ومكتبا مسيرا. وأشارت المتحدثة إلى أن تنزيل الجهوية بالشكل المطلوب لا يمكن أن يتم في ظل محدودية الصلاحيات وضعف الدعم العمومي ورغم ذلك استطاع المجلس تحقيق فائض في الميزانية.

واعتبرت ديدي أن دور مجلس الجهة هو وضع تصور للتدبير، بحيث يجب الاستفادة من دروس الجائحة خاصة على مستوى إعادة النظر في ترتيب الأولويات، فبرنامج الجهة في ما قبل كورونا على مستوى التنمية كان أساسه فك العزلة ودعم وتشجيع الاستثمار وتجاوز كل الأعطاب والإكراهات المطروحة (مشاريع تنموية مهمة على مستوى الطرق، الكهربة …). وأضافت أنه من إيجابيات المرحلة، أنها أفرزت طاقات شبابية من النساء والرجال (ابتكارات، إنجازات)، وكذا تزايد الوعي الجماعي للتضامن والمساعدة، ثم انخراط الجميع حكومة، مؤسسات، مجتمع مدني.

وعلى سبيل، الحصر، ومن باب الحديث عن القطاعات الحيوية، سجلت ديدي كون الصحة لا يجب أن تبقى كاختصاص منقول بالنسبة للجهات، ونفس الشيء بالنسبة للتعليم. وأكدت في سياق متصل على استقطاب النخب وتأهيلها لأنها الكفيلة بالنهوض بأداء ودور الجهات، إضافة إلى دعم المقاولات المتوسطة والصغيرة كما أن القطاع غير المهيكل في حاجة إلى الدعم والتوجيه، وشددت على إعمال المقاربة التشاركية في اشتغال مجالس الجهة، وضرورة تكاثف الجهود بين الدولة والمؤسسات والمجالس المنتخبة والمجتمع المدني لمعالجة كل الإشكاليات المطروحة، ولما لا تفعيل التضامن بين الجهات المنصوص عليه في القانون.

– إيمان الماجي: تجربة جائحة كورونا أثبتت تعطيل قدرات الجماعات الترابية في تدبير حالة الطوارئ

الآنسة إيمان الماجي، قدمت بدورها التعازي الصادقة في وفاة رئيس الحكومة الأسبق السي عبد الرحمان اليوسفي. وأكدت على الريادة المغربية تحت القيادة الملكية في تدبير جائحة كورونا الأمر الذي أثار إعجاب دول العالم أجمع بهذه الريادة، جهود تمت بانخراط الحكومة وباقي المتدخلين وضمنهم الجماعات الترابية.

وعرجت الماجي -علاقة بموضوع الندوة- على التطور التاريخي للتدبير الترابي ببلادنا، حيث شكل دستور سنة 2011 منعطفا مهما في إحداث تغيير جوهري وتدريجي في تنظيم شكل الدولة، وفي علاقات المركز بالجماعات الترابية وعمل هذا الدستور الجديد على تكريس الجهوية المتقدمة، بهدف ترسيخ الديموقراطية التمثيلية الجهوية، وجعلها رافعة للتنمية الاقتصادية والبشرية المندمجة والمستدامة، بغية الحد من الفوارق الاجتماعية وتوفير العيش الكريم وصيانة كرامة المواطنين والتوزيع العادل والمنصف لثمار النمو وقد اختار المغرب منذ الاستقلال الديمقراطية التمثيلية ودعمها بالديمقراطية التشاركية وكذا اللامركزية كخيارين استراتيجيين لا محيد عنهما، باعتبار ذلك نمطا يجسد الحكامة الترابية بمنح السكان سلطة تدبير الشؤون المحلية بأنفسهم من خلال المجالس المنتخبة.

وأضافت الماجي أن دستور 2011 الذي ارتقى بالجهة إلى مصاف الجماعة الترابية وفتح أمامها آفاق واسعة بلوغ أهداف الجهوية المتقدمة وإعطائها مكانة الصدارة من خلال منحها مجموعة من المهام والصلاحيات التي تمنحها الأولوية في مجال التنمية الاقتصادية وبالرفع من الموارد المرصودة لها كي تقوم بأدوارها على أحسن وجه هي وباقي الجماعات الترابية الأخرى. ولعل من بين التحديات التي أعادت سؤال دور الجماعات الترابية إلى الواجهة هو انتشار فيروس كورونا الذي باغت دول العالم بمن فيهم المغرب وهو ما يدفعنا إلى التساؤل عن دور الجماعات الترابية في تدبير هذه الجائحة، على اعتبار أن تدبيرها قائم على إدارة القرب؟ ولماذا تم تغييب هذه الجماعات رغم تعدد أدوارها المنصوص عليها تنظيميا في الحد من انتشار الفيروس؟

الماجي، أوضحت أنه ورغم عدم وضوح الصورة المؤسسية لهذه المجالس التي تتمتع في الوقت نفسه بصفة الجماعة الترابية وتشكل أحد مستويات ضبط وتنظيم الإدارة الترابية والإشراف عليها الأمر الذي يتجلى في تداخل الوسائل والموارد وهكذا تساعد المنظومة القانونية التي تخضع لها الجماعات الترابية من الاضطلاع بالاختصاصات والصلاحيات المسندة إليها بهدف النهوض بالتنمية الاقتصادية والاجتماعية والبيئية في إطار استراتيجية مندمجة ومنسجمة مع التوجهات الاستراتيجية للدولة ومتناسبة مع المؤهلات والخصوصيات الجهوية على الأقل على المستوى النظري، أما على مستوى الممارسة فقد أثبتت تجربة جائحة كورونا تعطيل القدرات التدبيرية للجماعات الترابية في التعاطي مع حالة الطوارئ خصوصا في شق الحفاظ على الصحة العامة والأمن العمومي والاقتصار على اختصاصات الشرطة الإدارية الخاصة.

ومن بين تأثيرات الأزمة على مسلسل اللامركزية وورش الجهوية المتقدمة أنه على عكس ما عرفه المغرب في مجال اللامركزية من تطور كبير إلا أن الإدارة المركزية لم تستطع التخلص من بعض الممارسات ذات النزوع المركزي، وظلت تنتهج المقاربة العمودية واعتماد المنطق البراغماتي في تدبير الأزمات تجاه مسلسل اللاتمركز. فمنذ إعلان حالة الطوارئ الصحية بسائر أرجاء التراب الوطني لمواجهة تفشي فيروس كورونا كوقيد 19 بواسطة مرسوم رقم 2.20.293 صادر في 24 مارس 2020 وتلتها مجموعة من المراسيم لنفس الغرض إلا أنه يلاحظ أن القرارات كلها مركزية المصدر حتى وإن كانت تدخل في نطاق السلطة التنظيمية المحلية.

وعندما نسلط الضوء على كل هذه القوانين نجد أن المشرع لم يحدد اختصاصات الجماعات الترابية في حالة الطوارئ ولم يؤطر عملها بل ترك المجال مفتوحا للجماعات لكي تجتهد وتحتكم إلى الفصل 40 من دستور2011 مع حفاظ السلطة المركزية على دورها في الوصاية الشيء الذي يتنافى مع مبادئ اللامركزية والجهوية المتقدمة، تقول الماجي. وبالمقابل فإنه من بين إيجابيات الأزمة أنها خلقت وعيا وإدراكا لأهمية الجهوية المتقدمة، فعلى سبيل المثال فإن تدقيق المعطيات الوبائية يتم جهويا وهذا البعد الجهوي سيصبح مسألة أساسية في ذهن الفاعلين الترابيين ولا يمكن تجاوز أننا يجب أن ننزل إلى أرض الواقع ورش الجهوية ويجب أن يكون البعد الجهوي مؤسساتيا وليس ترابيا وهنا نستحضر مشكل مختبرات التحاليل التي كانت متمركزة في الرباط والدار البيضاء وتم تدارك المشكل بتخصيص مختبر للتحاليل في كل جهة.

ولتجاوز هذه الإكراهات، دعت الماجي إلى إعادة النظر في برامج التنمية بما أن الموارد المالية قد تم إعادة ترشيدها في ظل الأزمة وإعادة ترتيب الأولويات، مع خلق نظام تعاون أفقي بين الجماعات الترابية و جميع المؤسسات لكي يكون هناك تكامل وانسجام في تنزيل السياسات العمومية على المستوى الترابي، بالإضافة إلى إعادة النظر في اختصاصات الجماعات الترابية لأنها في ظل هذه الأزمة بقيت حبيسة للمركز، إذا يجب توسيع نطاق تدخلها مع ضخ الموارد المالية والكفاءات البشرية التي يستلزمها كل اختصاص. وطالبت المتحدثة في سياق متصل بإعادة النظر في العلاقة بين الجماعات الترابية و المركز أي في دور الولاة و ممثلي السلطة المركزية على المستوى الترابي، وفيما يخص ميثاق اللاتمركز الإداري يجب إعادة صياغته بإشراك جميع رؤساء الجماعات الترابية.

كما أن هذه الأزمة عرت على مشكل العدالة المجالية الذي يعتبر رهان حقيقي لدى الجماعات الترابية وبعد الأزمة ستكون الجماعات الترابية أمام امتحان عسير و أسئلة استراتيجية، ولهذا يجب تخصيص إطار قانوني لدور الجماعات الترابية في حالة الطوارئ. وفيما يتعلق بتفويض تدبير المرافق الصحية فهو اقتراح جيد لأن دور الجماعات الترابية هو تقريب الخدمات العمومية من المواطن لكن لا يجب إثقال كاهل الجماعات الترابية بالاختصاص دون تزويدها بالموارد المالية والكفاءات البشرية و نهج آليات التتبع والتقييم مع تنزيل مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة. ويجب على المركز أن يضع ثقته في الجماعات الترابية لأن المركز لازال يمارس سلطة الوصاية على الجماعات الترابية إضافة إلى تكوين وتأطير المنتخبين لأن المرحلة المقبلة تتطلب من الجماعات الترابية إدخال الآليات التكنولوجية في التسيير، إضافة إلى الاهتمام بالقطاع غير المهيكل في إطار الاقتصاد الاجتماعي والتضامني وأيضا وضع آليات لتحسين الظروف الاجتماعية للأسر المستفيدة من بطاقة الراميد. وفي الأخير توسيع اختصاصات الهيئة الاستشارية للشباب داخل المجالس المنتخبة وإعطاء فرصة للشباب الذين أثبتوا كفاءتهم خلال هذه الأزمة.

مراد بنعلي

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.