نقاش: محاولة لرفع بعض التباسات سؤال “القاسم الانتخابي”

0 1٬017

بقلم: جمال مكماني

كنت قد وقفت على الفرق بين النقاش السياسي المُموه وبين النقاش السياسي الأصيل والمسؤول من خلال مساهمة بعنوان “النقاش السياسي المزيف”، احتضنتها جريدة المساء عدد يوم 18 شتنبر 2020، لفتتُ الانتباه حينها إلى ضرورة خلق الحافزية للتفكير في قضايا قائمة وأساسية، مع تجنب الوقوع تحت آفة الموضوعات المضللة، ارتباطا بجولة المشاورات التي قامت بها وزارة الداخلية مع الأحزاب، حيث لم يكن قد ظهر هذا النقاش المستجد، لكنه يفرض نفسه اليوم ويسترعي الانتباه، لذلك يقع ضمن انشغالات مؤسستنا الحزبية وضمن مجال تداولها السياسي. لقد أصبحت الدعوة إلى بلورة موقف صريح من هذا الموضوع ملحة وأساسية.

إن مناقشة سؤال “القاسم الانتخابي” يقحمنا في نطاق القضايا الزائفة والمموهة، إذا ما انحسرت الرؤية التي تؤطره في مجال كمي ضيق، يتعلق بحسابات المقاعد التي يحتمل أن يفقدها الحزب في صراعه الانتخابي مع باقي الأحزاب. أرى أنه من الأجدر تخصيص الزمن السياسي المتبقي، للرهانات التنظيمية المتعلقة بشكل حضور حزبنا في الاستحقاقات الانتخابية واختياراته الفعلية لتدبير المحطة الانتخابية المقبلة حتى لا يسقط مرة أخرى في “الدونكيشوطية”، كما عليه أن يقوي مسودته السياسية والاجتماعية لتقديم الحلول الواقعية للقضايا الشائكة في حياتنا السياسية التي يشوبها الفتور، لكي يتحمل حدود مسؤوليته في الرفع من منسوب الثقة في العمل السياسي.

وانطلاقا من هاتين الرؤيتين وجد الحزب نفسه أمام تصورين: تصور براغماتي يدافع عن إبقاء القاسم الانتخابي كما هو عليه الحال الآن، حفاظا على المكانة الانتخابية للحزب محاججا على ذلك بفقدان عدد مهم من المقاعد الانتخابية، وهو ما يهدد المكانة الانتخابية للحزب، ثم التصور الثاني الذي يدافع عن تغيير طريقة احتساب القاسم الانتخابي، وهو ما يعني السماح بتوسيع مشاركة الأحزاب الصغيرة وضمان تمثيليتها عن طريق هدم الحواجز القانونية التي تكرس هيمنة الأحزاب الكبرى على مجال التنافس الانتخابي.

إن المساهمة في إنتاج الموقف السياسي للحزب في هذه النازلة، يقتضي عدم التموقع في موقع الصفر أو بلغة أخرى عدم القبول بمنطق المنزلة بين المنزلتين والحياد السلبي. لذلك أجد نفسي، انطلاقا من قناعاتي الديمقراطية والمجتمعية الراسخة، منحازا للتصور الثاني الداعي إلى تغيير طريقة احتساب القاسم الانتخابي، لماذا؟ حينما تطرح مسألة الوساطة التي ينبغي أن تقوم بها الأحزاب السياسية، فإن الأحزاب الكبرى تجد نفسها خارج دائرة الثقة مقارنة بالأحزاب الصغرى، فهي مهيمنة انتخابيا لكنها معزولة في علاقتها بالحركات الاحتجاجية وبالنوازل التي تحتاج إلى وساطة فعلية، وبالتالي فأقل ما يمكن أن يساهم به حزبنا اليوم داخل الساحة السياسية، باعتباره حزبا كانت له الجرأة في امتلاك زمام المبادرة في العديد من المحطات، هو الاصطفاف سياسيا إلى جانب الأحزاب الصغيرة والدفاع عن تواجدها من أجل التأثير في الفعل السياسي، وجعل جميع الفئات الاجتماعية وكذا مختلف الحساسيات ممثلة، خاصة وأن هذه الأحزاب هي التي تشكل مستقبل السياسة ببلادنا.

يظهر أن التفكير بمنطق انتخابي صرف من طرف الأحزاب، يعد خيارا معاديا لتطوير ودعم الفعل السياسي، ذلك وضع مضطرب، يعكس تمثيليات مشوهة وقائمة على الفكرة المتهالكة للمحاصصة، فالاستحقاقات المقبلة تشكل لحظة نوعية في تاريخ المغرب الحديث، لحظة الوضع المأزوم الذي يحتاج تغليب المصلحة العليا للبلاد ودعم الأفق السياسي المشترك، وقد أبدت القيادة الحالية للحزب يقظة استثنائية اتجاه هذه التفاصيل التي تستمد أهميتها من الميل لممارسة سياسية بديلة.
لقد فسر الجميع واقع ممارستنا الجمعية للفعل السياسي، لكن الكل نسي أن المهم هو تغييرها، والتغيير لا يتحدد باعتباره رغبة وطموحا، بل كممارسة نعبر عنها من خلال سلوكات عملية تناشد التطبيق بدل الاحتفاظ بها على صعيد الفكر والخطاب فقط.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.