وهبي في حوار جريء يتحدث عن الحكومة وماَلات المسار الديمقراطي وجاهزية “البام” ومفاتيحه للخروج من أزمة كورونا

0 1٬154

بخطابه المباشر، الجريء والمسؤول، افتتح عبد اللطيف وهبي الأمين العام لحزب الأصالة المعاصرة مروره ضيفا على قناة “ميدي 1 تي في”، حيث تركزت إجاباته التفاعلية مع عرض رئيس الحكومة خلال الجلسة المشتركة لمجلس النواب حول البيانات التي قدمها لمرحلة ما بعد 20 ماي، والأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في ظل جائحة كورونا، ووجهة نظره كأمين عام لأكبر حزب سياسي معارض في البرلمان في مآلات المسار الديمقراطي خلال فترة ما بعد الجائحة. كما توقف في ذات المناسبة عند الدينامية التنظيمية والتواصلية التي يعيشها الحزب منذ المؤتمر الوطني الرابع وذلك بالرغم من الظروف التي فرضتها حالة الطوارئ الصحية، معرجا على مفاتيح الحلول التي يقترحها الحزب للخروج من الأزمة ومساهمته إلى جانب الأحزاب الوطنية في تقديم المقترحات العملية للحكومة، وحرصه على أن يتمتع الحزب بقوة تنظيمية وتواصلية تؤهله لخوض الاستحقاقات الانتخابية المقبلة بقوة وديمقراطية وشفافية.

مقترحات بناءة لحكومة متصارعة،

أكد عبد اللطيف وهبي على أن رئيس الحكومة لم يكن مقنعا في مبرراته التي قدمها خلال قرار تمديد فترة الحجر الصحي لثلاث أسابيع، حيث أشار إلى أن رئيس الحكومة لم يقدم مبررات حاسمة في هذا الاتجاه في مقابل تقديمه لمجموعة من الأسباب التي تبرر القرار المتخذ من طرف الحكومة.

حيث أشار خلال حلوله ضيفا على برنامج “كل شيء على كورونا”، إلى أن رئيس الحكومة قدم خطابا متفائلا انتهى بقرار تمديد فترة الحجر الصحي، واصفا الأرقام “الكبيرة” التي قدمها رئيس السلطة التنفيذية كونها تبقى صغيرة بالنسبة للواقع، خصوصا وأن هذا الأخير لم يستطع، إلى الآن، بحسب تعبير وهبي، تقديم تصور استشرافي للمستقبل، “ما يثبت أنه لا يضبط الواقع بشكل علمي أكثر، لذلك اكتشفنا أن خطابه لا يعطينا تلك النتيجة التي يقدمها في الأخير”، يقول وهبي.

ويرى الأمين العام لحزب الأصالة والمعاصرة أنه كان من الأفضل العمل أكثر في اتجاه ما تقوم به السلطة، في إشارة إلى وزارة الداخلية، خصوصا فيما يتعلق بالاتصال بالأسر ومعرفة وضعيتها الاجتماعية، لما لها من معرفة ودراية بوضعية هذه العائلات، “هناك أناس يعيشون وضعية ملتبسة، فبالرغم من أن لهم الحق في الاستفادة من الدعم لكنهم حرموا منه، ما يعني أن عملية التواصل مع الأسر الفقير والمتضررة اجتماعيا لم تتم بالشكل الأمثل، لذلك أقول أن عمل الحكومة كان تقنيا واداريا صرفا، ولم يربط هذا العمل التقني بما هو اجتماعي بالشكل الأفضل”.

مقترحا، في هذا السياق، توسيع اختصاصات رجال السلطة من عمال وقياد، ومعهم المسؤولين الذين لهم علاقة مباشرة بالمواطنين، إضافة إلى تمكين مؤسسة الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي والهيئة المشرفة على خدمة “راميد”، من صلاحيات أوسع للتعرف على الأسر والفئات التي تحتاج فعلا إلى الدعم، ضمانا لوصول الدعم لكل من يحتاجه. إضافة إلى إلغاء بعض الشروط التي يمكن تجاوزها خلال عملية تقديم طلبات الاستفادة من الدعم، “لأن الهاجس الذي ينبغي أن يسكننا ليس هو ضمان عدم وصول الدعم إلى من لا يستحقه، لأن الأخطر، في هذه الظروف الصعبة، هو أن يُحرم من الدعم من هم في حاجة ماسة إليه”.

مشيرا إلى أن “واقع الحال الذي أفرزه انتشار وباء فيروس “كورونا”، أظهر كم أننا متأخرون في كل ما يتعلق بالورش الاجتماعي والنظامين الصحي والتعليمي، وأتمنى أن نستخلص الدروس من هذه الأزمة لتفادي هكذا معيقات مستقبلا”.

وعلاقة بما قدمه رئيس الحكومة من بيانات تهم فترة ما بعد 20 ماي، وهو التاريخ الذي كان من المفترض ان تتم فيه عملية رفع الحجر الصحي، قال وهبي أن البيانات المتعلقة بالوضع الاقتصادي الحالي المقدمة من طرف رئيس الحكومة، لم تجب على جملة من التساؤلات العالقة، منها: كيف سنخرج من هذه الأزمة؟، وما هي اقتراحاته على المستويين القريب والبعيد، وكيف سيتعامل مع الشركات والقضايا الضريبية، وتصوره للقانون المالي، والكثير من المعطيات والقضايا التي لم يتطرق إليها، “والتي يبدو أنه لا يريد أن يدخل في هذا النقاش”، يقول وهبي. لافتا الانتباه إلى غياب نسق واضح تسير عليه الحكومة، ذلك أنها تخرج بخطاب وسرعان ما تطبق ما يناقضه، معللة ذلك بمبررات غير مقنعة إطلاقا.

ضاربا المثال بتضارب تصريحات رئيس الحكومة الذي أعلن عن قرار تمديد فترة الحجر الصحي لثلاثة أسابيع، فيما خرج بعده مباشرة وزير الاقتصاد والمالية وإصلاح الإدارة بقرار السماح للمعامل والشركات بالبدء في العمل مباشرة بعد عيد الفطر. قائلا: “كنا نتمنى من رئيس الحكومة، لمكانته الاعتبارية والدستورية والمؤسساتية أن يترأس شخصيا وفعليا لجنة اليقظة الاقتصادية، حتى ينسق بين جميع القطاعات ومكونات اللجنة، لكنه تخلى عن هذا الدور وهو موقف سلبي منه”.

وفي الوقت يرى فيه وهبي أن القرارت تتخذ من داخل الحكومة، فقد أكد أنها مشتتة بين مجموعة القطاعات والوزارات، أصبح معها رئيس الحكومة يقوم فقط بتجميع أجزاء متفرقة من هذه القرارات ويعيد صياغتها على شكل قرارات تعود له، سرعان ما يظهر تناقضها في نهاية المطاف.

وتفاعلا منه مع سؤال حول تصور “الـپــام” للكيفية التي سيتعافى بها الاقتصاد الوطني ويخرج من هذه الازمة بأقل الأضرار، يرى وهبي أنه لا يجب الدخول في انكماش اقتصادي، وأن يتم القيام باستثمارات كبيرة ودعم الشركات الصغيرة والمتوسطة والعمل على الحد من الضغط الضريبي وأن تدخل الدولة كقطاع عام في الكثير من المجالات التي لا يريد القطاع الخاص الولوج إليها، من أجل خلق مناصب شغل كثيرة، وأنه على الدولة تلعب دورا أكبر في المجال الاقتصادي أكثر من الماضي. داعيا إلى الكف عن مطلب عدم دوام بقاء الدولة بعيدة عن السوق، لأنه آن الأوان لدخولها السوق وأن تقوم بالدعم المالي، وبضخ السيولة المالية اللازمة لتحريك عجلة الاقتصاد حتى يتحقق الفائض في الإنتاج.

وبخصوص الألويات التي قال رئيس الحكومة إنه سيتم التركيز عليها في القانون المالي التعديلي من قبيل التعليم والبحث العلمي والصحة والتشغيل، والتحول الرقمي بوصفه رافعة للتنمية، فيرى وهبي أن هذه الاختيارات، وبالرغم من أنها جيدة ومرحب بها، إلا أنها مرتبطة بسياسات طويلة الأمد، لكن الرهان الآن هو العمل بسرعة من أجل إنقاذ السوق والرساميل والبورصة والشركات الصغرى والمتوسطة، وهو ما يتطلب تدفقا للسيولة في السوق وفي المشاريع التي ستساعد هذه الشركات في الخروج من الازمة، أما الخدمات لوحدها فلن تستطيع دفع السوق إلى الحركية والدينامية والإنتاج بوفرة.
مستبعدا عودة الحكومة، بعد انقضاء الجائحة، بقوة وبروح مبادِرة من خلال الاستثمار في القطاعات الاجتماعية مثل التعليم والصحة، بسبب ما تعيشه من متناقضات ومواجهات من الداخل. مقتنعا بأن الحكومة التي ليس لها خط ناظم أو نسق عام، وتتنصل الأحزاب المشكلة لها من قانون صادقت عليه في مجلس حكومي، ستحمل معها صراعاتها وتناقضاتها الى المستقبل.

ثقة المواطن بين مبادرات الأحزاب السياسية وتعتيم الاعلام الرسمي،

الأدوار التي تقوم بها الأحزاب السياسية منذ ظهور هذا الوباء، وعلاقتها من جهة بالتقنوقراط والاعلام الرسمي ومن جهة ثانية بالمواطن، مواضيع كانت حاضرة خلال هذا الحوار التلفزي “عن بعد”، حيث أكد وهبي أن الأحزاب السياسية دائمة الحضور وقامت بدورها، لكن يُراد تغييبها وتهميشها خاصة من طرف وسائل الاعلام الرسمية، “ولكن هذا الأمر لن يمر ونحن، من داخل الأحزاب السياسية، نناقش هذا الأمر ونناقش مسألة إصدار موقف تجاه الاعلام الرسمي”، يؤكد وهبي.

معتبرا أن مطلب تعاقد سياسي جديد مطروح ومطلوب “لأننا سنعيش على الأقل الأربع سنوات المقبلة في ظل ازمة اقتصادية والتي قد تكون مخيفة، لهذا لا يمكن أن نختلف في وقت يعاني فيه المواطن من البطالة وعدد كبير من الإشكالات، وهناك نقاش بين أحزاب الأصالة والمعاصرة والاستقلال والتقدم والاشتراكية لتقديم رؤية اقتصادية مشتركة للمستقبل، حرصا منا على تقديم كل ما يلزم من الدعم والمساعدة للحكومة حتى نخرج من هذه الازمة”.

ويرى وهبي أن مرحلة ما بعد الأزمة تطرح أسئلة كثيرة، في ارتباط بالمسار الديمقراطي وبالانتخابات المقبلة، وما ستقدمه الحكومة من تصورات في هذا الموضوع سيظهر حقيقة إرادة الحكومة، وعلى ذلك الأساس سيتم التعامل معها. “أما من جهتنا في المعارضة، فسنكون ايجابيين ومبادرين لأننا نريد الذهاب إلى ما بعد كورونا بشكل جماعي، وأن نواجه الأزمة حتى تمر بسرعة، ويعود الوطن إلى الإنتاج من جديد، وإلى النمو”.

“الـپــام” قـوة اقتراحية وجاهزية تنظيمية وتواصلية،

الحوار التلفزي كان مناسبة لتسليط الضوء على الوضع التنظيمي لحزب الأصالة والمعاصرة، ومبادراته كقوة اقتراحية، وبالرغم من أن لمسة وهبي، منذ انتخابه أمينا عاما للحزب، اصطدمت بأزمة كورونا، إلا أنه أكد على أن الحزب حاضر ويناقش ويبدي رأيه في كل القضايا، مشيرا إلى أنه بادر بفتح حوار مع كل الأحزاب الوطنية بدون استثناء، كما قام بتعيين جزء من المكتب السياسي والأمناء الجهويين والذين بدورهم قاموا بتعيين الأمناء الإقليميين، ولجنة الاخلاقيات التي صادقت على النظام الأساسي الذي تم بنشره على البوابة الرسمية للحزب، “فنحن نشتغل وفق المساحة التي تسمح بها قوانين وأنظمة الحزب، وأيضا وفق الضوابط التي تفرضها فترة حالة الطوارئ الصحية، وبالتالي نحن نسير بهدوء في الشق المتعلق بإعادة هيكلة التنظيم، ومباشرة بعد رفع حالة الطوارئ الصحية سنقوم بعقد دورة المجلس الوطني لإتمام عملية انتخاب ما تبقى من المجلس الوطني وهيكلة اللجن التابعة للمجلس الوطني”.

كما أكد وهبي أن حزب الأصالة والمعاصرة ينهج سياسة القرب عن طريق فتح حوار دائم ومستمر مع عموم المواطنات والمواطنين، وهو ما يتفاعلون معه بإيجابية، مبرزا أن الحزب مطالب بأن يمارس أدواره ومسؤولياته كحزب معارض بعيدا عن أي نفاق سياسي.

داعيا إلى التفكير في بلورة خطاب سياسي وبرنامج واضح وللحزب، خصوصا وأن أمامه فرصة تاريخية ليكون حزبا سياسيا محترما بين جميع الأحزاب، يقوم بدوره في الدفاع على الثوابت مثله مثل جميع الأحزاب السياسية.

وفي معرض جوابه على سؤال بخصوص تغير في سلوك الفاعل السياسي بعد مرور الجائحة، يرى وهبي أنه من منطلق المسؤولية يجب أن يغير الفاعل السياسي سلوكه، “وفي الپام غيرنا الكثير من الأشياء بخصوص خطابنا، الذي أًصبح يدعو للحوار، ولم نعد نتبنى خطاب الاستعلاء وإعطاء الأوامر، كما أننا فتحنا حوارا مع جميع الأحزاب في الأغلبية والمعارضة، وهيئنا ورقة وقلنا أنه ليست هناك خطوط حمراء، وأن نقاشنا مفتوح مع الجميع، وسندفع في اتجاه تعزيز المسار الديمقراطي وسندخل الانتخابات المقبلة مثلنا مثل غيرنا، وسوف نقبل نتائجها ونتحملها ونرتب مواقفنا بناء عليها”.

مشيرا إلى أن الكثير من الأمور ستتغير في المشهد السياسي في مرحلة “ما بعد كورونا”، وأن الرهان الأساسي اليوم هو تكريس أكبر للديمقراطية وحرية التعبير، خصوصا وأن المواطن أصبح يراقب حقوقه وحرياته أكثر فأكثر، وهو ما سيتطلب انفتاحا اكثر فيما بين الفاعلين السياسيين والرفع من مستوى النقاش بشكل يستفيد منه الجميع، وأن تقوم الأحزاب بأدوارها، ويكون التقنوقراط تحت تصرف ومسؤولية السياسي وليس العكس، وأنا شخصيا سأقوم بكل جهدي لمحاربة البيروقراطية الرأسمالية التي تحاول خلخلة العملية السياسية برمتها في المغرب”.

وفي حالة الإصرار على المساس بالعملية الديمقراطية مستقبلا، فيؤكد وهبي أنها ستكون معركته، لأنه، بحسبه، لا يجب المساس بالعملية الديمقراطية وبالمسار الديمقراطي، “فهي أمانة بين أيدنا قدمتها لنا الأجيال السابقة حتى وصلت إلى هذا الجيل، واخترنا أن تكون من الثوابت الدستورية، وتبناها جلالة الملك ودافع عنها، ولا يمكن التنازل عنها مطلقا”.

وبشكل عام، يرى وهبي أن الشعوب ستتحرك أكثر وستطالب بالحماية الصحية والاجتماعية، مما يفرض على الأنظمة التفكير في شعوبها حتى تضمن استقرارها السياسي وإلا ستصطدم الشعوب بأنظمتها.

رهانات ودروس “ما بعد الجائحة”،

وبخصوص الدروس التي يجب استخلاصها من هذه الجائحة، يقول وهبي “إننا سندخل في أزمة عالمية وأزمة عولمة، وآنذاك سيكون الاعتماد على الذات والتفكير في خلق ثروة إنتاجية داخلية في المغرب. كما أن العالم سيتغير من حيث العلاقات الاقتصادية والتجارية. كما أن إمكانية أن توفر دول بعيدة خدمات لدول بعيدة أخرى لن تتوفر مستقبلا، إذ سيكون القرب الجغرافي هو المتحكم في الاختيارات الاقتصادية، وستفرض السياسة الصحية والإنتاج الصناعي الصحي وإنتاج الأدوية نفسها، بأن كل دولة ستعمل على احتكارها وأن تحول السياسة الصحية إلى سياسة سيادية مثل الجيش والأمن وغيرها. كما أن التعليم سيصبح “عن بعد” أكثر فأكثر. كما أننا سنكتشف أن كثير من الموظفين لا يجب أن يقوموا بوظائفهم من مكاتبهم إذ تظهر الدراسات أن العمل عن بعد يكون أكثر مردودية. وهي معطيات ستغير نمط حياتنا ونمط علاقتنا وحياتنا اليومية في مختلف المناحي”.حسب وهبي.

وعن الفرص الممكن استثمارها في هكذا ظروف وسياقات، أوضح وهبي أنها ستكون جيدة “إذا فكرنا بشكل وطني ومغربي، دون أن نلجأ إلى استنساخ تجارب دول أخرى، فعلى المستوى الفلاحة مثلا، يجب أن نضمن أساسا الإنتاج الوطني لفائدة المغاربة، لنفكر بعد ذلك في مسألة التصدير، بالاضافة إلى ضرورة التفكير في تقليص الاستيراد مقابل خلق مشاريع إنتاجية وطنية تلغي إلى حد كبير الحاجة للاستيراد لأنه يستهلك العملة الصعبة، وعليه علينا مباشرة إنتاج بعض المنتوجات محليا”.

مقترحا، في ذات السياق، ضرورة العودة إلى الصناعة الوطنية عموما والتقليدية على وجه التحديد، والاهتمام بالحرفيين وبلورة تصورات للاستفادة من منتوجاتهم من طرف كل المغاربة، “ما سيدفعنا إلى الابداع في خلق اقتصاد وطني 100 بالمائة”.

خديجــة الرحـــالي

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.