وزير العدل: التصويت على مشروع قانون المسطرة الجنائية محطة تاريخية واستثنائية لأننا أمام “دستور للعدالة الجنائية”

0 377

أكد وزير العدل عبد اللطيف وهبي، أن مشروع قانون رقم 03.23 بتغيير وتتميم القانون رقم 22.01 المتعلق بالمسطرة الجنائية، “هو محطة تاريخية استثنائية هامة لمنظومة عدالتنا الجنائية لاسيما في إطار ما شهدته بلادنا في العقدين الأخيرين من مستجدات هامة شملت تعزيز مجال الحقوق والحريات والانخراط التام في الالتزامات الدولية ذات الصلة بحقوق الإنسان ومكافحة الجريمة، وكذا ما يتعلق بتطوير عمل المؤسسات لاسيما ما يرتبط بتدبير المرحلة الانتقالية التي تعيشها بلادنا بخصوص إحداث سلطة قضائية مستقلة وفق ما نص عليه دستور المملكة”.

وقال الوزير في تقديمه لمشروع القانون خلال جلسة العامة المنعقدة اليوم الثلاثاء 20 ماي الجاري، “إننا لسنا أمام قانون عادي بمعيار مضمونه ووظائفه، إنه دستور للعدالة الجنائية إن صح التوصيف، فبقدر ما تتسلح به أجهزة إنفاذ القانون في مواجهة خطر الجريمة وضبط مرتكبيها ومحاكمتهم، بقدر ما يستند إليه أطراف الخصومة الجنائية للدفاع عن حقوقهم ومطالبهم فهو عملة بوجهين”.

وأضاف الوزير، “وتبقى مسألة صناعة مثل هذه القوانين لحظة فارقة ومميزة في المسار الديمقراطي للدول لا تعاش إلا في محطات معدودة، كما هو الحال بالنسبة للمغرب الذي عرف منذ فجر الاستقلال إلى حدود يومه فقط نصين قانونيين للمسطرة الجنائية، أولهما في سنة 1959 وذلك قبل صدور مجموعة القانون الجنائي لسنة 1963، وثانيها سنة 2003. فصلت بينهما مرحلة مؤقتة عرفت تطبيق ظهير الإجراءات الانتقالية الذي للأسف تجاوز طابعه الانتقالي وعمر ما يقارب ثلاثة (3) عقود من الزمن”.

وزاد الوزير مسترسلا في تقديمه لمشروع القانون، “فقد حرصت كل الحرص على أن يستجيب المشروع لمختلف التطلعات وأن يسعى إلى مواكبة المجهودات المبذولة على مستويات متعددة للنهوض بحقوق الإنسان وتعزيز مجال الحقوق والحريات من جهة ومكافحة الجريمة من جهة ثانية”.

وأفاد الوزير أن المشروع الذي يتماشى في فلسفته التشريعية مع باقي القوانين التي صدرت مؤخرا، تحكمت في إعداده مجموعة من المحددات الأمنية والحقوقية وإشكالات الممارسة العملية ومسألة تحقيق فعالية ونجاعة العدالة الجنائية ومواكبتها بالإصلاحات التي تعرفها منظومة العدالة ببلادنا، كما استحضرت المراجعة مجموعة من المرجعيات الوطنية والدولية وفق ما هي مفصلة في ديباجة المشروع.

وبسط الوزير بعض المعطيات لاستحضارها في فهم فلسفة وحدود هذه المراجعة التشريعية القائمة أساسا على ضمان التوازن بين مكافحة الجريمة واحترام حقوق وحريات الأفراد؛ باعتبارها المفصل في بناء قاعدة أي جنائية إجرائية في التشريعات الجنائية المعاصرة.

وأبرز الوزير أنه بعدما أثيرت العديد من الملاحظات حول بعض مستجدات القانون في مجال تقوية وتعزيز آليات مكافحة الجريمة؛ باتت الحاجة ملحة إلى ملاءمة قانون المسطرة الجنائية مع تطور تدويل القاعدة الجنائية في ظل تفاعل المملكة المغربية في إطار الوفاء بالتزاماتها الدولية مع جل المواثيق الدولية وما يصدر من آلياتها من توصيات سواء التي تهم مجال مكافحة الجريمة أو حقوق الإنسان.

وأشار الوزير إلى ضرورة مواجهة خطر الجريمة الذي شكل حسب المعطيات الإحصائية المتوفرة ارتفاعا فيما يخص معدل الجريمة، واستمرار العديد من أزمات العدالة الجنائية التي تتطلب تدخلا آنيا، مع ضبط وتدقيق العديد من الإجراءات والمساطر الجنائية في إطار تأكيد الشرعية وتبسيطها وتحقيق النجاعة المطلوبة، عبر اعتماد مساطر مبسطة وتعزيز العدالة التصالحية، مع إضفاء البعد الإنساني على مرحلة التنفيذ الزجري، واعتماد فرص واستخدامات الرقمنة في مجال الإجراءات الجنائية.

أما فيما يخص ضمانات المحاكمة العادلة وتعزيز مجال الحقوق والحريات، أكد الوزير أن المشروع قد حرص على تقوية القانون بمجموعة من الضمانات خلال كافة مراحل الدعوى العمومية وملاءمتها مع المعايير الدولية المعتمدة، وأن ما أثير من ملاحظات بشأن البعض منها يقتضي استحضار التدرج وتوفير الوسائل اللوجيستيكية والبشرية اللازمة.

وأفاد الوزير أن أهم التعديلات التي تمت الاستجابة إليها من طرف هذه الوزارة وصادقت عليها لجنة العدل والتشريع وحقوق الإنسان، تتجلى في إعادة صياغة بعض العبارات بهدف تجويد النص وتحقيق الانسجام مع باقي المقتضيات الواردة بالمشروع؛ تعزيز حماية ضحايا الاتجار بالبشر من خلال التنصيص على مجموعة من التدابير تروم حماية سلامتهم وتقديم الخدمات الضرورية بما فيها المساعدات الطبية والنفسية اللازمة والإيواء والتعريف بحقوقهم القانونية وكذا حقهم في المطالبة بالحصول على تعويض عن الأضرار التي لحقت بهم.

كما همت التعديلات تمكين ضحايا الاتجار بالبشر من الاستفادة من مهلة للتعافي والتفكير خلال مدة محددة إذا توافرت أسباب جدية بكونهم ضحية الفعل الجرمي المذكور وذلك تماشيا مع الالتزامات الدولية للمملكة في هذا الإطار؛ والتنصيص على ضرورة احترام الضمانات القانونية أثناء سير إجراءات التحقيق؛ والتنصيص على مقتضيات إضافية تروم تعزيز حقوق الدفاع خلال مرحلة التحقيق الإعدادي؛ وتعزيز استعمال وسائل التكنولوجيا الحديثة في مختلف الإجراءات القانونية؛ والتنصيص على منع حضور النيابة العامة أثناء مداولات المحكمة؛ وكذلك التنصيص على إمكانية رد الاعتبار فيما يخص عقوبة الغرامة وذلك بمجرد أدائها؛ إضافة الى التنصيص صراحة على عدم اعتبار الصمت بمثابة اعتراف ضمني بما هو منسوب للشخص الموضوع تحت الحراسة النظرية.

وخلص الوزير إلى التأكيد أن هذه المبادرة التشريعية التي تجسد بلا شك خطوة مهمة لتحديث الترسانة القانونية الوطنية، والاستجابة للتطلعات والإنتظارات، سيحرص على الترافع بشأنها خلال المرحلة القادمة من المناقشة أمام مجلس المستشارين بعد مصادقة المجلس الموقر، كما سيعمل بكل مسؤولية على التواصل بشأن مستجداتها والتنسيق مع كل الجهات المعنية بتنفيذ أحكامها إيمانا بأن الممارسة تبقى هي المحك الحقيقي للتنزيل الأمثل لمضامينها.

خديجة الرحالي

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.