تحليل الدكتور خالد التمسماني حول اشكاليه المنظومة الصحية بالمغرب: من التدبير العاجل إلى تكريس الدولة الاجتماعية

0 1٬087

مقدمة

يمثل القطاع الصحي أحد الأعمدة الأساسية لترسيخ الدولة الاجتماعية التي التزمت الحكومات المتعاقبة في المغرب ببنائها. لكن الوضع الحالي للمنظومة الصحية يكشف اختلالات بنيوية: ضعف البنية التحتية، نقص الموارد البشرية، سوء التوزيع الجغرافي، هشاشة التمويل، وتراجع ثقة المواطن في المستشفى العمومي. هذه الأزمة ليست تقنية فحسب، بل هي أيضًا سياسية واجتماعية لأنها تترجم فجوة خطيرة بين “مغربين”: مغرب قادر على الولوج للخدمات الصحية الجيدة، ومغرب مهمش يواجه صعوبات في أبسط الحقوق.

التشخيص

  • اختناق المستشفيات بسبب ضعف الاستثمار في الرعاية الأولية، ما يؤدي إلى تكاليف أكبر ونتائج أضعف.
  • نقص حاد في الموارد البشرية مع تركز الأطباء في المدن الكبرى وهجرة داخلية وخارجية متزايدة.
  • تمويل مشتت وضعيف الشفافية، يثقل كاهل الأسر عبر الأداء المباشر من الجيب.
  • حكامة غير فعالة: غياب مؤشرات أداء شفافة يؤدي إلى فقدان الثقة واحتجاجات متكررة.
  • من حسن الحظ، هناك فرص إيجابية يمكن البناء عليها وهو ان المغرب بدأ تجارب مهمة في تعزيز التغطية الصحية الشاملة وإصلاح الحماية الاجتماعية.

إشارات من خطاب العرش الأخير ودعم رؤية الإصلاح الصحي

في خطاب عيد العرش لسنة 2025، ركّز صاحب الجلالة الملك محمد السادس على «التفاوتات المجالية والتنموية» باعتبارها جرحًا عميقًا في مسار المغرب، محذّرًا من أن بعض المناطق الريفية والداخلية لا تزال تعاني من نقص في البنى التحتية والخدمات الأساسية، وهو وضع «لا يتماشى مع تصورنا لمغرب اليوم». كما شدّد جلالته على أن «لا مكان اليوم ولا غدًا لمغرب يسير بسرعتين».

إن هذا التعبير الصريح من أعلى سلطة في البلاد عن رفض الفوارق المزمعة بين المناطق هو دعم شعبي وسياسي قوي لأي سياسة إصلاحية تهدف إلى توحيد مستوى الخدمات الصحية على كامل التراب الوطني. وعند الربط بين هذه الرؤية الملكية وبين مقترحات إصلاح المنظومة الصحية التي تركز على إعادة الاعتبار للرعاية الأولية، توزيع أفضل للموارد البشريّة، وضمان الحق في الصحة لكل من لا يملك الإمكانيات، فإن الإصلاح الصحي لا يكون مجرد مشروع قطاعي تقني، بل تجسيد للرؤية الملكية في دولة أكثر عدالة وتكافؤ.

المبادئ الموجهة للإصلاح

  1. الصحة حق للجميع: ربط الإصلاح بالرؤية الدستورية والالتزام السياسي بالدولة الاجتماعية.
  2. الأولوية للرعاية الأولية: باعتبارها الأداة الأكثر نجاعة لتقليص التكاليف وضمان الإنصاف.
  3. إشراك الجامعة كفاعل محوري في التكوين والتأطير وتوفير الحلول العلمية والعملية.
  4. الشفافية والمساءلة كشرط لبناء الثقة مع المواطن.

مقترحات حلول عملية قابلة للأجرأة

على المدى القصير (أسابيع(

  • الاعلان وبدون تأخير لخطة طوارئ إمداديه لتأمين الأدوية والمستلزمات الأساسية داخل كل المستشفيات العمومية.
  • تعبئه وحدات صحية متنقلة لخدمة المناطق الأكثر هشاشة.
  • توقيع اتفاق مرحلي مع مهنيي الصحة لتقليل التوترات الاجتماعية وضمان استمرارية الخدمات.
  • إطلاق منصة شفافية وطنية تعرض مؤشرات المستشفيات (الأسرة، الأدوية، زمن الانتظار).

على المدى المتوسط (1–6 أشهر(

  • تأهيل 200–500 مركز صحي محلي كنموذج للرعاية الأولية الفعالة.
  • اعتماد خطة وطنية عاجلة للموارد البشرية: توظيف خريجين جدد، استدعاء متقاعدين، وتحفيز العمل في المناطق النائية.
  • رقمنة مسار تمويل المستشفيات لزيادة الشفافية وتقليص الديون.
  • تطوير خدمات الطب عن بعد ونظام مركزي للمواعيد لتخفيف الضغط عن المستشفيات.

الدور الجديد للجامعة والأساتذة

  • إطلاق تكوينات استعجالية عبر دبلومات جامعية (DU) في مجالات:
    • التدبير المندمج والعقلاني للمستشفيات.
    • الطب الاجتماعي والوقائي.
    • المصاحبة النفسية ودعم المرضى المزمنين.
  • ربط هذه التكوينات بمسارات التوظيف والترقي المهني، لجعلها أداة سريعة لبناء الكفاءات.
  • إشراك كليات الطب كمحرك للإصلاح وضامن لاستدامته عبر البحث العلمي والتكوين المستمر.

البعد السياسي والاجتماعي

إن إدماج هذه الإجراءات ضمن مشروع الدولة الاجتماعية يجعل من الإصلاح الصحي ليس مجرد سياسة قطاعية، بل رافعة استراتيجية لتقليص الفوارق الاجتماعية وضمان الحق في الصحة كحق مواطنة أصيل. الرسالة السياسية الأساسية كما أكد عليها صاحب الجلالة هي: لا لمغرب بسرعتين. المستشفى العمومي يجب أن يكون عنوانًا للمساواة والعدالة، وفضاءً يستعيد فيه المواطن ثقته بالدولة.

الخلاصة

الإصلاح الصحي في المغرب لم يعد خيارًا مؤجلاً، بل ضرورة عاجلة. الإجراءات الفورية ممكنة ومحددة، والإجراءات المتوسطة قابلة للتنفيذ بدعم سياسي واضح وإشراك الجامعات. هكذا فقط يمكن للمغرب أن يترجم التزامه ببناء دولة اجتماعية حقيقية، حيث تكون الصحة رافعة للكرامة والعدالة الاجتماعية، لا مصدرًا للهوة والاحتقان.

الدكتور خالد التمسماني
عضو نادي التفكير للأساتذة الجامعيين لحزب الأصالة والمعاصرة
الرئيس المشارك للجنة البيئة والتنمية المستدامة

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.