التنمية الترابية المندمجة بالمغرب: الآفاق والانتظارات من وجهة نظر الشباب

0 364

يشهد المغرب اليوم منعطفا حاسما في مسار التنمية الترابية، بعد عقود من البرامج والمخططات التي حققت بعض النتائج الإيجابية، لكنها أظهرت في المقابل فشلا جزئيا في تحقيق العدالة المجالية والتوازن التنموي بين الجهات، فقد بينت التجارب السابقة محدودية أثر العديد من المشاريع، بسبب ضعف التنسيق بين الفاعلين، وغياب الالتقائية المؤسساتية، واعتماد مقاربة قطاعية مجزأة بدل رؤية ترابية مندمجة تستحضر الخصوصيات المحلية.

وفي هذا السياق، جاءت الدعوة الملكية السامية إلى صياغة نموذج تنموي جديد لتشكل نقطة تحول جوهرية في التفكير التنموي بالمغرب؛ فقد دعا جلالة الملك محمد السادس نصره الله إلى تجاوز المقاربة القطاعية الضيقة نحو مقاربة ترابية شمولية، تضع المواطن والمجال في قلب السياسات العمومية.

وقد عبر جلالته بوضوح عن هذا التحول حين قال:

“هدفنا أن تشمل ثمار التقدم والتنمية كل المواطنين، في جميع المناطق والجهات، دون تمييز أو إقصاء… ووجهنا الحكومة لاعتماد جيل جديد من برامج التنمية الترابية، يرتكز على تثمين الخصوصيات المحلية، وتكريس الجهوية المتقدمة، ومبدأ التكامل والتضامن بين المجالات الترابية”.

وفي سياق تأكيده على إنصاف الجهات ورفع التفاوتات، أشار جلالته في مناسبات سابقة إلى ضرورة القضاء على ما وصفه جلالته بـ«مغرب بسرعتين»؛ أي العمل على إزالة الفوارق التنموية والتفاوتات المجالية بين المناطق سواء بين الجهات وأحيانا حتى داخل نفس الجهة، ليصبح التقدم والفرص متاحين بشكل متوازن لكل المواطنين في مختلف التراب الوطني، وهذا التوجيه يضفي بعدا ملحا على نموذج التنمية الترابية الجديد، ويضع في مقدمة الأولويات محاربة التفاوتات وترسيخ الانسجام المجالي.

هذا التوجيه الملكي الاستباقي أرسى أسس رؤية جديدة في تدبير المجال الترابي، تجعل من العدالة المجالية والإنصاف الترابي محورا مركزيا في أي سياسة عمومية.

وتعزيزا لهذا التوجه، تم في مشروع قانون المالية الحالي إحداث “صندوق التنمية الترابية المندمجة” باعتباره آلية تمويلية استراتيجية تهدف إلى توحيد الجهود العمومية، وتجاوز تشتت البرامج والصناديق القطاعية، وضمان الالتقائية والفعالية في المشاريع الترابية على المستويين الجهوي والمحلي.

حيث لم يعد البرنامج الجديد بطريقة مركزية أو فوقية، بل وضع وفق منهجية تشاركية ترابية، عبر سلسلة من اللقاءات التشاورية التي دعت إليها وزارة الداخلية، وجمعت ممثلي الجماعات الترابية، والولاة والعمال، والمنتخبين، والفاعلين المحليين، ومكونات المجتمع المدني.

وقد أسفرت هذه اللقاءات عن بلورة تصور تنموي محلي واقعي، يستجيب لخصوصيات كل جهة، ويعكس أولوياتها الحقيقية.

ومن وجهة نظر تمثل شاب يحمل هموم هذه الفئة وانتظاراتها، تمثل هذه التحولات فرصة متجددة لإعادة الثقة في الفعل العمومي، وللانخراط الفعال في صياغة وتنفيذ وتقييم السياسات الترابية، فالشباب لم يعد متفرجا على السياسات التنموية، بل أصبح فاعلا أساسيا، ومبادرا في تشخيص الاشكالات والنواقص، وشريكا في التغيير من خلال المقاولات الناشئة، والمبادرات الجمعوية، والمشاركة في المجالس المنتخبة، والمشاريع المواطنة ذات البعد البيئي والاجتماعي، وما التعبيرات الشبابية الأخيرة التي عرفها الشارع المغربي إلا تأكيد على دينامية وحضور الشباب في الفعل العمومي.

غير أن بلوغ هذه الأهداف الطموحة يقتضي ترسيخ مبادئ الحكامة الترابية الجيدة، وتعزيز الشفافية وربط المسؤولية بالمحاسبة، وتبسيط مساطر الاستثمار والتخطيط، وتسريع التحول الرقمي في تدبير الشأن الترابي، فالتنمية الترابية المندمجة ليست مجرد شعار إداري أو مؤسساتي، بل رؤية استراتيجية عملية تترجم في الميدان، وتقاس بمدى تحسين جودة حياة المواطنين.

إن الشباب المغربي اليوم يتطلع إلى نموذج ترابي جديد يقوم على الذكاء المجالي، والمواطنة الفاعلة، والعدالة الاجتماعية والمجالية، نموذج يجعل من الرقمنة والابتكار أدوات لتدبير المجال بفعالية واستدامة، ويضع الإنسان في صلب المشروع التنموي.

ومع إطلاق صندوق التنمية الترابية المندمجة، تتجدد الآمال في بناء رؤية ترابية منصفة وفعالة، تؤسس لمغرب الجهات المتوازنة، والمواطنة المتضامنة، والتنمية المستدامة التي لا تقصي أحدا.

سعد اسريفي
عضو المكتب التنفيذي لمنظمة الشباب/ باحث في قضايا التعمير والتنمية المجالية.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.