المكتب السياسي: رسالة بمناسبة الذكرى العاشرة لتأسيس الحزب

المكتب السياسي: رسالة بمناسبة الذكرى العاشرة لتأسيس الحزب

0 833

بحلول تاريخ 8 غشت 2018 ، تكون قد مرت عشر سنوات على تأسيس حزب الأصالة والمعاصرة.  وإذا كانت عشرية تعتبر زمنا قصير المدى في حياة الأحزاب والأفكار السياسية والمشاريع المجتمعية، فإن ذلك لا يعفينا جميعا، نحن مناضلات ومناضلي الحزب، من التوقف عند دلالات هذه التجربة السياسية، و التأمل في معناها وموقعها، واستشراف مآلاتها،  ضمن المشهد السياسي الوطني.

ولأن الذكرى هي لحظة احتفال وتأمل في الآن نفسه، فإن من الضروري التذكير بالسردية الحقيقية للدواعي والمنطلقات التي حذت بثلة من الفاعلين السياسيين والمدنيين والاجتماعيين، ذوي تجارب ومسارات مختلفة، إلى الالتقاء حول مشروع جماعي، وعرض سياسي هو اليوم تجربة حزب الأصالة والمعاصرة.

فخلافا للرواية التي أراد لها خصوم الحزب، من مختلف المواقع، دعاية وانتشارا و محاولة للترسيخ في الذاكرة الحزبية الوطنية، ما كان تأسيس حزب الأصالة والمعاصرة تدبيرا مصطنعا، ولا أداة للتراجع عن مكتسبات بلادنا في مجال الانتقال والتوطيد الديمقراطيين، ولن يكون كذلك أبدا.  إن حزب الأصالة و المعاصرة اكتسب، منذ التأسيس إلى اليوم، معناه ووجوده وجدواه كعرض سياسي في خدمة المشروع المجتمعي الديمقراطي الحداثي، ولذا فإن السردية الحقيقية لتأسيسه، تجعل منه وليد السياقات الواعدة لتجربة العدالة الانتقالية (خلاصات تجربة هيأة الإنصاف والمصالحة) ولتجربة التفكير الجماعي في مسار التنمية المتخذ منذ الاستقلال (تقرير الخمسينية)، كما تجعل منه تفاعلا واعيا وإراديا مع آمال وآفاق المصالحات التي لم تكتمل بعد خاصة في أبعادها الثقافية والمجالية.

وضمن السردية نفسها، فإن العرض السياسي للحزب، لم يكن إلا ممارسة لحق سياسي أصيل غير قابل للمصادرة، في تقديم جواب، ضمن أجوية أخرى، عن  تحديات جمة، بعضها متعلق بتوسيع المشاركة السياسية خاصة لدى الشباب والنساء، ولدى الطاقات السياسية والمدنية المنتمية إلى “المغرب العميق”، وبعضها متعلق بالمواجهة الشجاعة، بكل تكاليفها، للمخاطر السياسية المحدقة بقيم الحداثة والمجتمع الديمقراطي والتنوع المجتمعي والثقافي، وبعضها مرتبط بتحديات ضارية آتية من بيئة جهوية و دولية شديدة القساوة والتعقيد،  وهي جميعها مخاطر فعلية لا يمكن إيهام أي كان بعدم وجودها.

تلك هي الروح التي حذت بتأسيس حركة لكل الديمقراطيين، وتلك هي الروح التي يحملها حزب الأصالة والمعاصرة، في سياق مساهمته، إلى جانب كل الفاعلين السياسيين في بلورة فكرة “الوطنية الثانية”، القائمة، من جهة، على المواطنة الدستورية ذات البعد الدامج، الدمج بكل أبعاده السياسية والثقافية والاجتماعية والمجالية و بمعناه القائم على التضامن بين الأجيال، ومن جهة ثانية، على “تامغربيت” بوصفها العنوان الذي يلخص بشكل مكثف هويتنا الجمعية بما هي توليفة لتعدد وتنوع الروافـد والمكونـات التي صقلهـا التاريخ الممتـد في تفاعل والتحام بين الملك والشعب، كما وأنها هي الفكرة التي تمنح أيضا للموقع السوسيوديمقراطي للحزب كامل معناه، وللحزب ذاته، وداعي وجوده واستمراره.

وبهذا المعنى، فإن الديناميات الاجتماعية والاحتجاجية التي عرفها المغرب خاصة منذ النصف الثاني  من العشرية المنصرمة، وفي سنة 2011 على الخصوص، لم تكن أبدا ضد القيم والعرض الذي يحمله الحزب، وإنما هي في العمق طلب لها، إن هذه الديناميات ،خلافا لما تروجه القوى السياسية المحافظة، مظهر صحي وواعد لطلب مجتمعي على الحقوق، بكل أنواعها  المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية. وهو الطلب الذي شكل دستور 2011 إحدى أوجه الإجابة عنه، وتشكل كذلك مختلف السياسات العامة للدولة، على علاتها واختلالاتها، إحدى أوجه تفعيله.

لقد واجه حزب  الأصالة و المعاصرة، بنجاحات متفاوتة، في ظرف عشر سنوات، تحديات التأسيس، والبقاء وتحدي توطيد تنظيمه، في بيئة صعبة وغير ملائمة، كما واجه العرض السياسي للحزب، بيئة غير متعودة -إن لم نقل معادية – لأسباب تاريخية وثقافية، على شروط التنافس السياسي العادي. وتعامل الحزب مع جميع هذه التحديات بنجاح أحيانا، و بقصور وإخفاق  في حالات أخرى.

وبالرغم من هذه الصعوبات جميعا، فإنه يحق للحزب، في ذكراه العاشرة، أن يستخلص بفضل الرؤية الثاقبة لمؤسسيه، ودينامية مؤسساته، وشجاعة مناضلاته ومناضليه، وغنى مساهمة شركائه السياسيين والمدنيين والاجتماعيين، كل العبر والدروس الممكنة، من موقعه، كحامل لعرض سياسي و لثقافة تنظيمية بديلين،  ومن موقعه الانتخابي الحالي في المعارضة البرلمانية، وفي تسيير الجماعات الترابية والغرف المهنية، وذلك بإعمال فضائل النقد الذاتي

غير المحكوم بهواجس التباري الإعلامي، ولكن المسكون بهواجس التجاوز الخلاق والشجاع لأعطاب الذات بصدق وصراحة تامين مع المواطنات والمواطنين، واستثمار فرص المراجعات الدورية المستجيبة للطلب على عرض برنامجي متجدد، وللمتطلبات الدائمة المترتبة عن الأدوار الدستورية للأحزاب السياسية.

إن مفتاح التجدد الدائم لعروض الحزب، عضوية و تنظيما  وبرنامجا، هو نهج التعاقد، تلك الكلمة الأساس في المشروع المجتمعي الديمقراطي الحداثي. التعاقد مع المناضلات و المناضلين، والتعاقد مع حاملي الانتدابات الانتخابية المختلفة باسم الحزب، والتعاقد مع الشركاء السياسيين و المدنيين والاجتماعيين، والتعاقد مع المواطنات و المواطنين حول عرض برنامجي واضح، يستثمر كل الأدوار الدستورية للأحزاب السياسية والسلط الدستورية التي تشارك الأحزاب في تشكيلها، ولا يتعداه أبدا إلى استغلال وتوظيف الرأسمال الرمزي المشترك بين كافة المغاربة.

على قاعدة التعاقد، سيدشن الحزب في الأسابيع القليلة المقبلة، بيد ممدودة، وبرغبة قوية وصادقة في بناء توافقات واسعة مع الفاعلين السياسيين والمدنيين و الاجتماعيين الذين يتقاسمون معه قيم المشروع المجتمعي الديمقراطي الحداثي، مسارا تشاركيا لبناء تحالفات واسعة بشأن الإجابات العملية التي يتعين علينا تقديمها بشأن القضايا الحقيقية للمواطنات و المواطنين، تلك القضايا عينها التي ما فتئ جلالة الملك، يشير إلى أهميتها الفائقة في خطبه و رسائله المتوالية: قضايا العدالة الاجتماعية، و تمكين الشباب و الطبقات المتوسطة من الولوج إلى حقوقهم الاقتصادية و الاجتماعية،  وتسريع مسار تنزيل الجهوية المتقدمة، والنهوض بقضايا التعليم والصحة و التشغيل والإصلاح الشامل و العميق لمنظومة التدبير العمومي، و استكمال ورش إعمال الدستور، و حماية الحريات و الحقوق الأساسية و تعزيزها.

وعلى قاعدة التعاقد، ومبدأ إعادة الاعتبار لمعنى المسؤولية الحزبية، وبناء أيضا على الاستثمار في الصالح من تجربتنا الفتية المقرون بالعزم على إحداث القطائع الضرورية في شتى مستويات أدائنا، يمضي الحزب في مسار تشاركي داخلي، يستهدف تقوية تنظيمه، وتوسيع عرض العضوية، و تحيين عرضه البرنامجي على النحو المبين في وثيقة “خارطة الطريق” التي تقدم بها الأمين العام المنتخب، وفي المبادرات العملية العشرين التي قدمها الحزب مساهمة منه في التفاعل الفوري والعملي مع خطاب العرش ل 29 يوليوز 2018.

تلك طريقتنا في الاحتفاء بالذكرى العاشرة لتأسيس حزب الأصالة و المعاصرة، و على هذا النهج نمضي، وندعو مناضلاتنا ومناضلينا إلى المضي بثبات وعزم للمساهمة في الاضطلاع بأعباء دعم وتقوية الدولة الوطنية بوظائفها الاجتماعية، والقيام بأدوارنا الدستورية من أجل بناء و توطيد مجتمع ديمقراطي مشدود إلى أفق الحداثة الواسع، مجتمع متنوع وتعددي واثق بقدرته على انتـزاع مكـانـة جديـرة بتاريخـه في عالم تتسارع فيه التحولات وتتعاظم فيه التحديات.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.