الشبيبة التي نريد. . من روح المشروع إلى قاطرة المستقبل

0 5٬933

رشيد بوهدوز
رئيس اللجنة الأمازيغية بحزب الأصالة والمعاصرة

حين نتحدث عن حزب الأصالة والمعاصرة، فنحن لا نصف تنظيماً انتخابياً يناور على المقاعد، بل مشروعاً وطنياً انبثق من ضرورة تاريخية. في جوهره، “البام” رؤيةٌ لمغرب الغد: مغربٌ حديث منفتح، لا يقطع صلته بجذوره وهويته الجامعة المتجسّدة في تامغرابيت؛ رؤيةٌ تسأل بوضوح: كيف نبني دولة قوية ومجتمعاً متماسكاً في القرن الحادي والعشرين؟ هذه الإجابة لا تُصنع بالشعارات ولا بالصخب، بل بأدوات فاعلة تُحوِّل الطموح إلى قراراتٍ قابلة للتنفيذ، ونتائج تُرى وتُقاس.

لهذا السبب، لا مكان في مشروعٍ بهذا الطموح لواجهة شبابية تُجمّل الصورة. الشباب هم القاعدة الصلبة والمحرّك الفعلي الذي به تتجدّد الأفكار، وتُضخّ الدماء في شرايين التنظيم، ويُصان الرهان على المستقبل. وإن كان “البام” رؤيةً لمغرب الأجيال القادمة، فإن الشباب هم حَمَلة المشعل، لا بالوراثة بل بالمسؤولية. إنهم أيضاً حُماة المشروع، وهم الصوت الذي سيترافع عنه في النقاشات العمومية، وفي الشارع، وفي الحلقيات الصغيرة والكبيرة، مسلحين بالوعي والحجة. الشباب هم كذلك حُماة الهوية والتميز المغربي، فهم الأقدر على حمل قيم “تامغرابيت” وتجسيدها في ممارستهم اليومية كبوصلة توجه فعلهم السياسي. الشباب الذين نريدهم ليسوا “متطوّعين ظرفيين”، بل صنّاع سياسة يكتبون، يقترحون، ينظّمون، ويتحملون كلفة الموقف. بهذا المعنى، كلُّ شاب وشابة في حزبنا هو سفير للمشروع بقدر ما هو مناضل في التنظيم.

نحن لا نزعم أنّ الحزب يعيش أزهى أيامه؛ هذا ادّعاء لا يخدم الحقيقة ولا الإصلاح. لذلك يأتي مؤتمر الشبيبة في لحظة مفصلية وحاسمة، فهو إمّا أن يكون محرِّك قفزة نوعية تعزّز حضور الحزب وتُقوّي جبهته الداخلية وتُصحّح ما تراكم من اختلالات، وإمّا أن يمرّ كمحطة عابرة تُضاعف المسافة بين الفكرة وأدواتها. خيارُنا واضح، وهو أن نجعل من هذه المحطة بداية دورةٍ جديدة تُعيد ترتيب البيت وتثبّت البوصلة نحو أهدافٍ كبرى. إنها لحظة لاختبار الشجاعة المؤسسية، فرصة لإعلان نهاية المناطق الرمادية داخل الشبيبة، والانتقال من مركزية خانقة إلى عدالة داخلية حقيقية في التمثيل وصناعة القرار. ما سيحسم جودة هذه اللحظة ليس الأسماء ولا الصور، بل قدرة التشكيلة المقبلة على تصليب الجبهة الداخلية، وردم الهوّات، وتثبيت قاعدة “الولاء للمشروع قبل الأشخاص”، وإعادة الثقة إلى شبابٍ فقدوا الحماسة لأنهم لم يروا مساراتٍ عادلة ولا أثراً ملموساً.

إن الشبيبة التي نريدها هي قاطرة حقيقية للحزب، تعمل على ثلاثة أبعاد متكاملة. البعد الأول تنظيمي، حيث لا يكفي حشد الجماهير، بل يجب ترتيب البيت من الداخل بحوكمة تحمي القرار الجماعي. يتطلب ذلك وضوحاً في الأدوار والمسؤوليات، وتداولاً منتظماً على المسؤولية بحدود زمنية واضحة حتى لا تُغلق الأبواب أمام الدماء الجديدة، بالإضافة إلى مسارات ترقٍ شفافة ومعايير موضوعية أساسها الكفاءة والسيرة التنظيمية. الانضباط هنا ليس صلابةً عمياء، بل هو تأمين للمصلحة العامة من مزاج اللحظة ومنطق الولاءات.

أما البعد الثاني فهو اقتراحي، فالشرعية اليوم تُصنع بالقدرة على تحويل الأفكار إلى سياسات. نريد شبيبة تعمل كمختبر للسياسات لا كغرفة تابعة، تُنتج أوراق عمل موجزة وواقعية تُغذّي عمل منتخبي الحزب في الجماعات والجهات والبرلمان. شبيبة تعقد جولات إنصات ميدانية دورية في الجهات، وتُترجم خلاصاتها إلى تقارير قابلة للتنفيذ، ثم تُقيم أثر اقتراحاتها بشكل دوري لتتعلم من نجاحاتها وإخفاقاتها. معيار النجاح هنا هو عدد القرارات التي أصبحت أثراً ملموساً، لا عدد الصور والمنشورات.

ويأتي البعد الثالث توجيهياً، فالشبيبة هي البوصلة الأخلاقية والسياسية للحزب. وظيفتها صناعة الاتجاه عبر الدفاع عن مشروع الدولة المدنية وسيادة القانون، ومقاومة الشعبوية والتحريض، وتغليب المبدأ على المصلحة الآنية. وهذا يقتضي ترسيخ الولاء للوطن ولمؤسساته فوق أي اصطفافٍ ضيّق، وتنمية لغة سياسية رصينة وهادئة قادرة على الحجاج المسؤول. حين تحتدم المنافسة، تكون هذه البوصلة هي صمام الأمان لوحدة المشروع.

هذه الرؤية لا يمكن أن تكتمل دون إنهاء “مغرب السرعتين” داخل التنظيم نفسه. لا معنى لرفع شعار العدالة المجالية وطنياً إذا بقيت الشبيبة تُدار بمنطق المركز وحده. العدالة تبدأ من هنا، بتمثيل جهوي متوازن في القيادة واللجان، وتمكين نخب جهوية صاعدة من صميم مجتمعاتها، وتوزيع الموارد والفرص بمعايير معلنة. بهذه الخطوة وحدها نُعيد الثقة، ونوقف نزيف العزوف، ونفتح الأبواب لطاقات كانت على الهامش.

إن قوة الحزب لا تكمن في هياكله المنعزلة، بل في قدرتها على العمل المشترك. وانطلاقاً من هذا المبدأ، فإننا كلجنة أمازيغية نضع أيدينا في أيدي الشباب والشبيبة المقبلة للعمل معاً وتنسيق الجهود. ونحن على يقين أن كل لجان المجلس الوطني الأخرى تشاركنا نفس الرغبة في التكامل والتعاون. فالتكامل بين الهياكل هو سر قوة الحزب وضمانة نجاح مشروعه الوطني.

الشبيبة التي نريد هي ذراعٌ مكتمِل يعمل بتناغم مع باقي هياكل الحزب، لا ملحقاً تابعاً لها. ذراعٌ يُوسّع المشاركة بدل احتكارها، يُنصف الجهات بدل استدعائها للزينة، ويُقدّم الكفاءة قبل القُرب والأثر قبل الضجيج. نجاح مؤتمر الشبيبة في إفراز قيادةٍ بهذه الروح لن يكون إنجازاً للشباب وحدهم، بل خطوة حاسمة في مسار الحزب نحو تحقيق رؤيته الأصلية: “البام” رؤيةٌ لمغرب الأجيال القادمة، مشروع دولةٍ عادلة قوية، ومجتمعٍ واثقٍ من نفسه، وهويةٍ منفتحة راسخة. إذا أحسنّا ترتيب الصفّ اليوم، تحوّلت السياسة غداً إلى خدمة تُرى لا شعار يُقال، وأصبح الحزب مدرسةَ دولةٍ تصنع المستقبل لا تراقبه من بعيد. هذا هو الطريق إلى القفزة النوعية التي نرجوها لحزبنا، وإلى مغربٍ أقوى لأجل أجيالنا القادمة.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.