بنوانس: مشروع قانون التعليم المدرسي خطوة استراتيجية لإعادة الاعتبار للمدرسة المغربية
تناول النائب البرلماني زكرياء بنوانس في جلسة عامة عقدت يوم الاثنين 8 دجنبر 2025 لمناقشة مشروع القانون رقم 59.21 المتعلق بالتعليم المدرسي، الكلمة باسم فريق الأصالة والمعاصرة، مؤكدا أن المشروع يندرج ضمن مسار وطني طويل يهدف إلى إعادة الاعتبار للمدرسة المغربية وبناء الثقة في منظومتنا التربوية، باعتبارها رافعة أساسية لأي نهضة تنموية أو إصلاح مجتمعي.
وأشار بنوانس إلى أن المدرسة كانت وستبقى الفضاء الذي تتشكل فيه ملامح شخصية المواطن وتصنع فيه معالم المستقبل، مضيفا أن أي مبادرة تشريعية أو سياسية تتعلق بالتعليم يجب أن تناقش في إطار وطني شامل، انطلاقا من قناعة راسخة بأن الاستثمار في الإنسان هو أعظم استثمار تقوم به الدولة.
وأكد النائب البرلماني أن حضور أعضاء البرلمان لمناقشة مشروع القانون لا يقتصر على محطة تشريعية تقنية، بل يمثل لحظة سياسية فارقة تستدعي قدرا عاليا من المسؤولية، إذ يتعلق الأمر بقطاع يشكل جوهر بناء الدولة الحديثة ومفتاح مستقبل الأجيال.
وأضاف أن الدول التي سبقت المغرب في مسار التنمية لم تتقدم بالصدفة، بل عبر إرساء منظومة تعليمية صلبة وموحدة الرؤية.
وأوضح أن المشروع القانوني المطروح للنقاش اليوم ليس مجرد نص تشريعي، بل هو تصور مجتمعي لطموح الأمة، إذ أن التعليم ليس مجرد تلقين معارف، بل مشروع حضاري يؤسس لثقافة جديدة في التفكير والابتكار والعيش المشترك، ويتقاطع مع جميع السياسات العمومية لأنه يلامس الإنسان في بدايات تشكله وفي لحظات بناء وعيه وهويته ومساره المستقبلي.
وأشار إلى السؤال المركزي الذي يظل ملازما للمنظومة التعليمية لعقود: أي مدرسة نريد؟ مدرسة تخرج مواطنين قادرين على الاندماج والإبداع، أم مدرسة تكتفي بتكرار صور التعليم التقليدي؟ مؤكدا أن هذا السؤال يمنح النقاش بعده العميق وراهنيته السياسية، ويجعل من هذه الجلسة التشريعية مناسبة لإعادة ترتيب الأولويات الوطنية على أساس أن التعليم هو المدخل الحقيقي لإصلاح باقي القطاعات.
ونوه النائب بأن المشروع يأتي في سياق وطني يتسم بوعي جماعي بأن التعليم لم يعد شأنا قطاعيا محدودا، بل أصبح قضية مجتمعية كبرى تتقاطع فيها مسؤوليات الدولة والأسر والمجتمع المدني والقطاع الخاص.
وأوضح أن القانون، بصرف النظر عن مقتضياته التفصيلية، يمثل إشارة واضحة إلى أن المغرب يسعى إلى إعادة ترتيب أولوياته وتمكين المدرسة من المقومات التي تجعلها فاعلا أساسيا في التنمية.
وأشار إلى أن السنوات القليلة الماضية شهدت زخما من المبادرات الإصلاحية في قطاع التعليم، من مراجعة المناهج إلى تطوير الحكامة وتحسين ظروف الولوج والتمدرس، ليأتي مشروع القانون اليوم ليسهم في تأطير تلك الجهود ضمن رؤية أكثر انسجاما وشمولية.
كما شدد على أن إعداد المشروع تم وفق مقاربة تشاركية انفتحت على الفاعلين التربويين والمؤسسات الدستورية المعنية، ما يعكس وعيا بأن إصلاح التعليم لا يمكن أن يبنى بقرارات فوقية، بل بإرادة جماعية تستحضر تجارب الميدان، وشهادات الخبراء، وانتظارات المواطنين، وهو ما يرسخ ثقافة الثقة بين الدولة والمجتمع ويمنح المنظومة التعليمية القدرة على تنفيذ الإصلاحات في جو من الالتزام والمسؤولية المشتركة.
وعلى صعيد محتوى المشروع، أبرز النائب أن القانون يحمل توجها واضحا نحو: تعزيز حضور المدرسة العمومية ودورها المحوري؛ وترسيخ مبادئ المساواة وتكافؤ الفرص؛ مع توفير شروط التعلم الكريم للأطفال أينما وجدوا؛ والحد من مظاهر الهشاشة في الوسط المدرسي؛ وتعزيز الحكامة وربط المسؤولية بالمحاسبة؛ واعتماد الرقمنة كأداة حديثة لتدبير المسارات التعليمية.
وأوضح أن هذه المبادئ ليست تقنية فحسب، بل تمثل ملامح رؤية لمستقبل المدرسة المغربية، تراهن على طفل قادر على بناء ذاته ومواطن مؤهل للاندماج في عالم سريع التغيرات.
وتطرق إلى التعليم الخصوصي، مشددا على ضرورة إعادة تنظيم العلاقة بين التعليم العمومي والخصوصي داخل منظومة منسجمة، مؤكدا أن المدرسة ليست مجالا للمنافسة، بل فضاء للتكامل، وحين يتعزز هذا التوازن تصبح الجودة هدفا مشتركا، وتصبح مصلحة المتعلم البوصلة التي توجه كل السياسات.
وأوضح أن ذلك يشمل تحسين الشفافية بين الأسر والمؤسسات التعليمية، وتعزيز التواصل والرقابة والمسؤولية، ودعم المبادرات التي تضمن استفادة كل فئات المجتمع من تعليم جيد مهما كانت ظروفها الاجتماعية والجغرافية.
وأكد النائب على أن النقاش حول التعليم لا يمكن فصله عن العدالة المجالية والاجتماعية، مشيرا إلى أن المدرسة العمومية في العالم القروي والجبلي والأحياء الهامشية ليست فقط مؤسسة تربوية، بل فضاء للحماية الاجتماعية وبوابة للأمل ووسيلة للحد من الهشاشة، ما يستدعي تعزيز البنيات التحتية وتحسين ظروف التمدرس وتقوية جودة التعلمات لضمان مدرسة جامعة ومنصفة.
وشدد على أن المدرسة القوية تمنح الأجيال القدرة على التفكير الناقد والإبداع والابتكار، وتنبت بذور الوطنية والمسؤولية وروح المبادرة، مؤكدا أن مشروع القانون يجب أن ينظر إليه كلبنة ضمن ورش أكبر يطمح إلى بناء مدرسة حديثة ومتقدمة ومتوازنة تنفتح على محيطها الاقتصادي والاجتماعي، وتمنح المتعلم الأدوات التي يحتاجها لعالم الغد.
وأضاف أن التحديات التي تواجه المدرسة أكبر من أن تختزل في نص قانوني، فهي مرتبطة بالموارد البشرية، والبنيات التحتية، وجودة الحياة المدرسية، وطبيعة المناهج، وثقافة التقييم، مؤكدا أن جوهر الإصلاح يكمن في التقدم بخطوات ثابتة وبناء تراكم إيجابي وإشراك الجميع في مسؤولية النهوض بالتعليم.
وختم النائب مداخلته بالتأكيد على أن نجاح أي إصلاح تربوي رهين بثلاثة شروط أساسية: الجرأة السياسية في حماية قوة المدرسة العمومية، الاستمرارية وعدم تغيير المقاربات بتغير الحكومات، والتملك المجتمعي للإصلاح، لأن المدرسة ليست مشروع وزارة بل مشروع وطن.
كما دعا إلى تعزيز الثقة بين جميع المتدخلين في المنظومة، وإشراك الفاعلين التربويين والاجتماعيين والاقتصاديين في بناء مدرسة المستقبل، مؤكدا التزام فريق الأصالة والمعاصرة بدعم المبادرات الرامية إلى تحسين جودة التعليم وإعادة الاعتبار للمدرسة المغربية.
خديجة الرحالي