حين يتحوّل الحرم الجامعي إلى مدرسة للمواطنة

0 306

لم يعد دور الأستاذ الجامعي اليوم محصوراً في التلقين ونقل المعارف، وتطوير البحت العلمي والابتكار، بل أصبح فاعلاً مركزياً في صناعة الوعي الجماعي، من خلال فتح فضاءات للنقاش والتفكير حول القضايا الاجتماعية والاقتصادية والبيئية التي تهم مستقبل الوطن. . فبين الجامعة والسياسة، هناك جسرٌ من القيم، عنوانه المواطنة الفاعلة والشباب الواعي.
جامعة التفكير لا جامعة التلقين

الجامعة اليوم ليست مجرد قاعات للدراسة أو امتحانات للتقييم، بل فضاء لتكوين الإنسان الحر، القادر على التفكير والنقد والمبادرة. الأستاذ الجامعي الذي يطرح على طلبته أسئلة حول العدالة المجالية، التفاوت الاجتماعي، التشغيل، وتغير المناخ، لا يخرج عن مهمته الأكاديمية، بل يوسّعها لتشمل بناء الحس المدني وروح الانخراط في الشأن العام.

فحين يُشرك الطلبة في تحليل واقعهم المحلي أو الوطني، فهو يُربّي فيهم الجرأة على التفكير، ويمنحهم أدوات الفهم والمشاركة. بهذا المعنى، يصبح الأستاذ الجامعي منشّطاً للنقاش العمومي داخل الجامعة، يربط بين العلم والمواطنة.

بين توجيهات جلاله الملك ورهانات الواقع

في خطابه بمناسبة عيد العرش الأخير، أكد صاحب الجلالة الملك محمد السادس أن عدداً من المناطق، لاسيما بالعالم القروي، ما تزال تعاني من مظاهر الفقر والهشاشة، وهذا لا يتماشى مع تصورنا لمغرب اليوم… فلا مكان” اليوم ولا غداً لمغرب يسير بسرعتين… ” .رسالة واضحة: لا يمكن أن تتحقق التنمية إلا بالعدالة المجالية والمشاركة الشاملة .

وجاء المجلس الوزاري الأخير ليترجم هذه التوجهات عبر التأكيد على إطلاق “جيل جديد من البرامج المندمجة للتنمية المجالية”، بهدف الحد من الفوارق وضمان السير الجماعي نحو مغرب منصف ومتوازن. من هنا، يبرز الدور الحيوي للأستاذ الجامعي في جعل هذه التوجهات الوطنية موضوعاً للنقاش والفهم والتحليل داخل الجامعة.

الجامعة والأحزاب: رافدان لثقافة المشاركة

لكن إشعال الوعي لا يكتمل داخل أسوار الجامعة فقط. فالأحزاب السياسية بصفه عامه و حزب الاصاله و المعاصره خاصتا، مدعو بدوره إلى مدّ الجسور نحو الجامعة، لا بغرض الاستقطاب الكلاسيكي، بل من أجل الاحتضان الفكري للكفاءات الشابة. على حزبنا أن يرى في الطالب الجامعي مشروع فاعل سياسي، لا مجرد ناخب محتمل.

إن الكفاءات الحزبية مطالبة بتطوير أساليب تواصلها مع الشباب الجامعي، عبر الندوات والورشات واللقاءات، لتشجيعهم على التفكير في السياسة كأداة للتغيير الإيجابي والمشاركة في صياغة القرار العمومي. فالشباب الجامعي هم كفاءات المستقبل، والوطن يعوّل عليهم في بناء مغرب المعرفة والعدالة والتنمية.

تكامل الأدوار من أجل مغرب يسير بسرعة واحدة

الجامعة تمنح أدوات التفكير، والأحزاب تفتح مساحات الفعل، والدولة تضع الإطار الاستراتيجي عبر التوجيهات الملكية. وحين تلتقي هذه المكونات الثلاثة، يصبح للطالب الجامعي مسار واضح: من قاعة الدرس إلى ساحة النقاش ومن النقاش إلى الفعل السياسي والمدني.

إن الرهان اليوم هو على تربية مواطنية جديدة تجعل من الجامعة مختبراً للديمقراطية، ومن الشباب قوة اقتراحية مؤثرة، تسهم في صنع مغرب يسير فعلًا بسرعة واحدة، كما دعا إليه جلالة الملك.

خاتمة

الأستاذ الجامعي ليس فقط معلماً للعلوم، بل مربٍّ على قيم المواطنة. والأحزاب ليست فقط مؤسسات للتمثيل، بل فضاءات للتعبير والمسؤولية. وبين الاثنين، يتكوّن جيل جديد من الشباب الجامعي الذي يؤمن أن السياسة ليست صراعاً على المواقع، بل التزاماً جماعياً ببناء المستقبل.

الدكتور خالد التمسماني
عضو نادي التفكير للأساتذة الجامعيين لحزب الأصالة والمعاصرة
الرئيس المشارك للجنة البيئة والتنمية المستدامة

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.