البام حزب يستحق فرصة

0 1٬056

بقلم: ذ.جمال مكماني

منذ مجيء حزب الأصالة والمعاصرة إلى الساحة السياسية بتاريخ 8 غشت 2008، وهو يحاول أن يقدم لمناضليه ولقواعده ولمناصريه وللمغاربة عموما، النموذج المعاصر للفلسفة السياسية البديلة ببلادنا، وفق ما طرأ عليها من متغيرات مرتبطة بضعف الثقة في الديمقراطية التمثيلية، نتيجة ازدياد الطلب على جودة الحياة والتوق إلى دولة الخدمات الإجتماعية ذات الجودة العالية خاصة في مجالات حيوية كالصحة والتعليم والشغل. هذا الوعي المتزايد بأهمية تجويد الخدمات المقدمة لإنسان القرن الواحد والعشرين، حتم على الحزب مواصلة التفكير الدائم في الصيغة التي تمكنه من النجاح في تقديم الوصفات الملائمة لحل المشكلات المطروحة، دونما أن تكون معركة التنظيم الداخلي ذات أولوية كبرى، في سياق دائم التحول يتميز بأحداث متسارعة وكثيفة.

لقد ساهم حزب الأصالة والمعاصرة بشكل كبير في إعادة الإهتمام بالفعل السياسي من طرف مختلف الفاعلين ببلادنا، واستطاع أن يكون فضاء للممارسة السياسية في إطار من التعايش بين منطقين مختلفين؛ بين منطق فئة الأعيان الذي يرتكز على مقومات خاصة في الفعل السياسي، ومنطق النخبة السياسية ذات المرجعية السياسية التي تنهل من قيم اليسار.

وبالرغم من الأحكام القبلية التي روجت حول هذه التجربة بنعتها بالتشوه، خاصة من طرف الفاعلين والمتتبعين المتأثرين في التحليل بالبراديغم القديم (يسار/ يمين)، فإن التجربة انتصرت إلى تنزيل ذلك الثالث المرفوع بلغة أرسطو إلى الأرض، مفسحة المجال أمام العديد من النخب التي لولا هذه التجربة ما كانت لتصل يوما من الايام إلى منصة التأثير في الحقل السياسي ببلادنا. هذا المنطق ساد من داخل الحزب، وكذلك الأمر مع باقي مكونات المشهد السياسي، حيث أن مسألة تحديد الموقف من حزب البام إبان ميلاده، أعطت شهادة ميلاد للعديد منها، وطبيعة النقاش الذي ساد منذاك إلى اليوم، ادخل العديد من المفاهيم السياسية إلى هذا الحقل، وأعاد ترتيب الإصطفافات السياسية، ودب الروح في العديد من التنظيمات السياسية التي كانت قد تهالكت، وجدد الوعي بأهمية الفعل السياسي… كل ذلك ما كان ليتم لولا مجيء البام إلى الساحة السياسية، ليس من منظور أنه لوحده قام بكل ذلك، ولكن من منظور أن مساهمته كانت جد أساسية في ذلك.

في الوقت الذي ساد منطق الزعامات الخالدة من داخل العديد من التنظيمات السياسية، أو على الأقل القيادات ذات الأمد الطويل، كرست تجربة البام لمبدأ التداول على القيادة، حيث أنه وفي ظرف وجيز لا يتجاوز 13 سنة، تداول على منصة القيادة ستة أمناء عامين بدءً من حسن بنعدي، مرورا بمحمد الشيخ بيد الله، ومصطفى بكوري وإلياس العماري وحكيم بن شماش وصولا إلى عبد اللطيف وهبي. وهذا عكس ما يتم الترويج له، غير مرتبط بتاتا بمسألة غياب الاستقرار التنظيمي، بل بحرقة السؤال المرتبط بوصفة تأهيل المنظومة الحزبية إلى ما هو مأمول، وحيث أن ذلك المأمول لم يحن بعد، فلا حاجة للاستقرار التنظيمي الذي يحافظ فقط على استمرار ما هو قائم داخل ممارسة سياسية تزداد تعقيدا وصعوبة كل يوم. هذه التجربة الغنية على مستوى قيادة الحزب، سمحت بوصول حوالي أربعة أمناء عامين من أصل ستة ذوو تكوين سياسي يساري، وهذا ليس بالأمر السهل داخل حزب سياسي له قوة انتخابية لا يستهان بها، لكن منطق التعايش الممأسس من داخل الحزب بين منطقين مختلفين كما تمت الإشارة إلى ذلك سابقا، خلق تفاعلات كشفت عن أهمية الطريق الثالث، حيث النظر إلى طرفي الممارسة السياسية ببلادنا على أساس التكامل بدل الصراع الذي ميز هذه العلاقة لسنوات طويلة ضيعنا من خلالها فرصا ذهبية.

إن منطق الاجتهاد والمثابرة من طرف حزب البام، تحركه هواجس التجديد والابتكار في الممارسة السياسية لجعلها مدخلا مساهما إلى جانب مداخل أخرى في تحقيق التنمية المنشودة لبلادنا والإنتقال بها إلى صفوف الإقتصادات الصاعدة في العالم، وقد تطلب تحقيق الوصول إلى موقع المساهمة في ذلك، العديد من التضحيات الضرورية مثل الجلد المبرر وغير المبرر من مختلف المواقع، وإطلاق الألقاب والتسميات المتعددة، والمحاولات العديدة والمتكررة لإدخاله في عزلة أنطولوجية ليست اختيارية بالمعنى الديكارتي وإنما قسرية… كل ذلك دفعه اتجاه التفاعل بإيجابية مع النقد الموجه إليه بل جعله مناسبة للعمل على تطوير ذاته، لم ولن يتم النيل منه لأنه يعي جيدا قوة الفكرة الثاوية خلف وجوده، والأفكار لما تتغلغل في نفوس وعقول المؤمنين بها فإنها لا تموت…

لكل ذلك ولغيره من الأسباب التي لا يتسع الوقت لسردها بكاملها، أعتقد أن البام في حاجة اليوم إلى منحه فرصة الوصول إلى تدبير الشأن العام، خاصة وأنه لم يسبق له أن شارك في ذلك، يبقى فقط أن يواجه المواطن تلك الدوكسا (اليقينيات الذهنية الأولية) التي عمل خصوم البام على صناعتها في العلاقة به، والتي كان الغرض منها خلق الهوة بينه وبين المواطنين.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.