النهري: “تعليق التوظيف” دليل على أن الحكومة لم تستوعب دروس كورونا ونفس الموقف تعبر عنه “الباطرونا” تجاه الشغيلة المغربيــــة !

0 619

اعتبر، رئيس شعبة القانون العام بكلية الحقوق طنجة الدكتور حميد النهري، أن الظرفية الصعبة التي يعيشها عموم المغاربة بسبب كورونا، تفرض مناقشة انعكاسات قرار الحكومة ب “تجميد” التوظيف بوضوح تام بعيدا عن التعقيدات التقنية وعن الأرقام والنظريات الاقتصادية.

وأضاف النهري في نفس السياق على أن صدور هذا القرار في الوقت الراهن دليل على أن الحكومة لم تأخذ بعين الاعتبار استيعاب الدروس التي أفرزتها الجائحة، خصوصا وأنه (القرار) ترك تذمرا واستياء عميقين في نفوس الطاقات الشابة ببلادنا وأسرهم، “فحالة الإحباط النفسي التي تملكت طلبة الجامعات والمعاهد نتيجة الحجر الصحي تعمقت مع القرار الحكومي المشار إليه”.

النهري، سجل أن الجميع تضامن إبان الجائحة واستطاعت بلادنا المرور بسلام من الكارثة، لكن اليوم تخرج الحكومة بقرار كهذا لا شك ستكون له تأثيراته على عدة مستويات خاصة منها الجانب النفسي، جانب تأثر بالخصوص لدى المواطن المحدود الذي يعيش مشاكل اجتماعية لا حدود لها، وعتبة الفقر أصبحت تستضيف أسرا كانت إلى وقت قريب قبل الجائحة تعتبر خارج دائرة الفقر وبطالة بمختلف أنواعها نخرت وستنخر في الأيام المقبلة أكثر شبابنا.

واعتبر أستاذ المالية العامة، في نفس الإطار، أن الجميع يدرك ما تمثله مناصب الشغل التي تدرج في قوانين المالية السنوية من أهمية بالنسبة للمواطنين المغاربة وخاصة منهم الذين يعيشون أوضاعا اجتماعية صعبة، على اعتبار أن “التوظيف” يشكل مصدر أمان لأشخاص يعانون الأمرين في مسارهم التعليمي- الأكاديمي حتى الوصول لمرحلة الترشح لاجتياز مباريات ولوج الوظيفة العمومية. وحتى ثقة المواطنين تجاه القطاع الخاص تضاءلت لعدة أسباب من بينها: ضعف الأجر، اللاستقرار المهني، وعدم ضمان حقوق الأجير …

النهري استرسل بالإشارة إلى كون مناصب الوظيفة العمومية تعد “مخرجا” يتم عن طريقه إخفاء فشل السياسات العمومية في مجال التشغيل، إخفاء يهم كذلك فشل القطاع الخاص في خلق مناصب شغل تحترم الأجير وتحفظ كرامته وحقوقه ومكتسباته، وبالمناسبة فإن جائحة كورونا حملت إشارات مضمونها أن القطاع الخاص كان الرهان حوله في غير محله، وبات من المستعجل اليوم تنزيل مقاربة جديدة في التعاطي مع هذا القطاع خاصة فيما يتعلق بعملية خلق مناصب الشغل. بل وصل الأمر في الكثير من المواقف إلى إثقال كاهل الدولة بهذا الملف عبر الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي واعتماد مغالطات وابتزاز للدولة.

وأضاف أستاذ المالية العامة بالقول: “نستغرب موقف الاتحاد العام لمقاولات المغرب (الباطرونا) المطالب بتأجيل الزيادة في الحد الأدنى للأجور، والذي من المفروض تفعيله هذا الشهر تنفيذا لاتفاق ثلاثي الأطراف كان بين الدولة واتحاد مقاولات المغرب والمركزيات النقابية الأكثر تمثيلية بتاريخ 25 أبريل 2019. وفي نفس الوقت يطالب نفس الاتحاد بتفعيل باقي المقتضيات التي في صالحه (الإضراب ومدونة الشغل)”.

وقال النهري إنه من المعروف أن الحكومات عبر العالم تجتهد في ابتكار الحلول لتجاوز تبعات الأزمة الناتجة عن كورونا إلا الحكومة المغربية تصر على أن يدفع المواطن في وضعية هشاشة الفاتورة الكبيرة لوحده وأن يتم إفراغ كل تلك الوعود التي أطلقت خلال الجائحة (إفراغها) من مضمونها كما كان الأمر دائما، مرددة ككل مرة تلك اللازمة المعتادة المعنونة بالتوازنات الاقتصادية والمالية وذلك على حساب الشق الاجتماعي، إضافة إلى فرضها تقشفا مدعية أن المغاربة استطاعوا تحمل الجائحة بتعويضات تقدر ما بين 800 و2000 درهم شهريا في أحسن الأحوال. كل هذا يتزامن مع واقع الإحباط الذي تعيشه الأسر بسبب تراجع قدراتها المالية …

وفي ظل هذا الوضع، يقول النهري، فإن الجهة المستفيدة هم رجال بعض رجال الأعمال “تجار الأزمة” الذين يشكلون لوبيات تؤثر وتضغط بقوة حفاظا على مصالحها وتقوية لهامش أرباحها، بحيث أنها متشبعة باقتصاد الريــــع وتنتظر انحسار أفق المواطن حتى تنتعش هي، بل وتريد من الدولة التضحية بالمواطنين في سبيل ضمان استمرارية أرباحها. وفي الحقيقة هي التي توجه اليوم سياستنا العمومية لمصلحتها بحكم قوة تأثيرها وبحكم تحكمها في القرار، يضيف النهري.

أما حديث الحكومة عن اللجوء إلى قرار تعليق التوظيف بسبب ثقل نفقات التسيير في الميزانية السنوية، فهذا مكمن الخطأ، يؤكد النهري، بحيث يتم الحديث عن ارتفاع قيمة نفقات كتلة الأجور المؤثرة ولكن لا يلقى البال لبقيمة نفقات أخرى تؤثر أكثر على الميزانية، مثلا الخسارة المالية السنوية التي تحدثها الامتيازات الضريبية الضخمة التي يستفيد منها الرأسمال وتتنازل بمقتضاها الدولة عن أموال مهمة كان بالأحرى استعمالها في سياسات اجتماعية تنموية.

وهناك مثال آخر، يشير أستاذ المالية العامة، وهو المبالغ الخيالية للتهرب الضريبي ونهب المال العام الذي أصبح يحظى بقاعدة “عفا الله عما سلف”.. كما أن هناك إشكالية تتمثل في نظام المحاسبة المعتمد والذي يغيب بعض العناصر التي لا يتم احتسابها، وبالتالي تجعل قيمة نفقات كتلة الأجور مرتفعة جدا. بل الغريب في الأمر أننا عندما نستعمل معطى ارتفاع كتلة الأجور نظهر وكأننا نتوفر على موظفين أكثر من المعقول، ولكن إلقاء نظرة سريعة على جميع القطاعات نجد أننا ما زلنا في حاجة إلى موارد بشرية في أغلب القطاعات الوزارية.

وخلص النهري إلى أن تعليق التوظيف في معظم القطاعات الحكومية دليل صارخ على أن جملة القرارات المتخذة إثر الجائحة ستضر المواطن. وأكد بالمقابل على أن بلادنا أمامه فرصة تاريخية لتجاوز تبعات الأزمة عبر سن أكثر جرأة واستغلال هامش الاستقلالية تجاه التأثيرات الداخلية ممثلة في جماعات الضغط وتجاه المؤسسات المالية الدولية، “ويجب أن تعطى الأولوية للمواطن ولسياسة عمومية جديدة تجعل من أولوياتها التعليم الصحة الشغل العيش الكريم، فالشعب المغربي يستحق ذلك”.

مــــراد بنعلي

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.