“تمغرابيت” الأمازيغية

0 882

أنيس ابن القاضي

لو لم أكن أمازيغيا، لوددت لو أكون مغربيا أمازيغيا.

ليس في الأمر أي نزعة شوفينية أو تعصب، وإنما هو اعتراف بما شكلت الثقافة المغربية الأمازيغية من وعيي الحاضر والماضي، وما جعلت مني الآن كفاعل سياسي وكمواطن قبل كل شيء،

في ورزازات، هناك حيث قضيت أكثر من 25 سنة من عمري، فارقتني فقط على هذه المدينة العزيزة على قلبي ظروف الدراسة والتحصيل التي لا تتوفر للأسف فيها.

أصولي الأمازيغية من جهة والدتي أطال الله في عمرها، تعلمت منها المبادئ الأولى لتمغريبيت، وقيم الصدق والإخلاص والطيبة وحسن الجوار، وتعلمت من والدي وأعمامي وأخوالي قيم الرجولة والصبر عند الشدائد، وإغاثة المستضعفين، قيم أشرت في تشكيلي وعيي وتكويني وكانت لي منهاجا في حياتي وصنعت أنيس ابن لقاضي اليوم، المواطن، المربي والمكون، والفاعل السياسي.

قيم الثقافة الأمازيغية، أحد الروافد المهمة للثقافة الأمازيغية، أثرت حتى في اختياراتي المهنية والاستثمارية، ولم أفكر أبدا أن أهجر ورزازات التي أعطتني الكثير، والاستقرار في مدن أخرى كالدار البيضاء، رغم ما تمنحه من فرص استثمارية مهمة.

خدمة أهل ورزازات الطيبين، الذين أرى في نسائهم أمي وزوجتي المناضلتين، وفي رجالهم أخوالي المناضلين، الذين زرعوا في قيم الوفاء والرجولة ونكران الذات والتضحية، وقساوة مناخها صيفا وشتاء زرع في أيضا روح التحدي والصمود وتخطي العوائق، بغية تحقيق الأهداف وأسماها، وهذا ما يميز كل أبناء ورزازات وجهة درعة تافيلالت العزيزة على قلبي.

هذا البوح أعلاه، والاعتراف بما أثرت الثقافة الأمازيغية في تشكيل وعيي وشخصيتي، ليس سوى نموذج لما نلمسه من تأثير الثقافة الأمازيغية في كل مناحي الهوية المغربية ومساهمتها في تشكيل “تامغريبيت” الحقة، التي تميز المغربي والمغربية، حتى قبل أن يتم التنصيص على الأمازيغية كلغة رسمية وكمكون هوياتي للثقافة المغربية، وقبلها ميلاد المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية.

منذ تأسيس المعهد الملكي للثقافة الأمايغية “ليركام” في سنة 2001 بمبادرة ملكية كريمة من جلالة الملك محمد السادس، والمعهد يبني ويجمع “شتات” الثقافة الأمازيغية من مرويات وتاريخ ومعجم، ما جعلها تتطور يوما عن يوم، لاسيما بعد اعتماد حرف تيفيناغ.

الزخم تواصل بصدور القانون التنظيمي رقم 26.16، المتعلق بتفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية، الذي هدف إلى إدماجها مجال التعليم وفي مجالات الحياة العامة ذات الأولوية، في العدد الجديد للجريدة الرسمية.

وهي بلا شك خطوة مهمة لتعزيز المكسب الدستوري بخصوص الأمازيغية، وهي أيضا فرصة للمضي قدما لخدمة الأمازيغية باعتبارها رافدا أساسيا ومهما من روافد شخصيتنا الوطنية”، و “تامغريبيت” التي تجمعنا، بعدما فشل الظهير البربري قديما خلال الفترة الكولونيالية في تفريق أبناء الوطن الواحد من عرب وأمازيغ.

حاليا تصاعد نقاش حول مشروع قانون رقم 04.20 المتعلق بالبطاقة الوطنية للتعريف الإلكترونية الذي صادقت عليه الحكومة مؤخرا لاسيما في صيغته الحالية التي تتعارض، مع الفصل الخامس من الدستور ومع القانون التنظيمي رقم 26.16 المتعلق بتفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية، وعدم تنصيصه صراحة على إدماج حرف تيفيناغ في البطاقة الإلكترونية المنتظرة.

هذا النقاش في نظري نقاش صحي، بالنظر للمكتسبات التي حققتها اللغة والثقافة الأمازيغية كمكون تمت دسترته في دستور 2011 الجديد، يعكس الهوية المغربية بتنوعاتها واختلاف روافدها.

وفي نظري إنه المسار الذي بدأته بلادنا في تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية لايجب أن يتم التراجع عنه، أو يُسجل أي نكوص كيفما كان، من شأنه أن يعيق تنزيل وأجرأة الأمازيغية، مهما كان تقنيا، بعد حديث الجهات المسؤولة عن مشروع البطاقة الوطنية الجديدة، الذين أكدوا أنه يستحيل تقنيا، لأسباب متعلقة بنواة نظام المعطيات التعريفية الذي يجب أن يشمل تيفيناغ أيضا، لذلك فهذا النقاش سيكون مغلوطا دون الإحاطة بجوهر المشكل وتعقيداته التقنية، وما يمكن أن يخلفه ذلك من تكاليف مادية ضخمة.

إن المسألة الأمازيغية تكتسي في فكر الأصالة والمعاصرة أهمية كبيرة، قبل التنصيص عليها دستوريا، باعتبارها رافدا من روافد الثقافة المغربية الأصيلة، وشكلت منطلقا لترافع قوي لحزبنا حزب الأصالة والمعاصرة منذ تأسيسه، من خلال ندوات وأسئلة شفوية وكتابية في البرلمان بغرفتيه، ومازال يقع عليه الرهان في الترافع على القضية الأمازيغية، وتطوير ثقافتها وتجسيدها أكثر فأكثر في كل مناحي الحياة بالمغرب، ومازال ينقصنا الكثير في هذا الباب، وهذه ليست سوى مهمة ممثلي الأمة في البرلمان في هذه الولاية البرلمانية الحالية، والمقبلة بإذن الله. لننتظر.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.