“جيل 2030: نهضة الشباب وبناء المستقبل على ثنائية الكرامة و الأمل “

0 392

إنّ الأمم في نشأتها وحركتها لا تقوم إلا على سواعد شبابها، فهم عمادها ومصدر قوتها، وبهم تُشاد دعائم العمران، وتُرسخ مبادئ الاستقرار. فإذا أُحسن إعدادهم، وتمّ تسديد خطاهم، قويت الدولة واشتد عودها، وإذا أُهمل أمرهم، وضل مسعاهم، دبّ فيها الوهن وأصابها الاضمحلال. وإنّ من سنن الاجتماع أن يعقب كل جيل ما سبقه، فيأخذ بأسباب القوة ويستكمل البناء، فإن انقطعت هذه السلسلة، تراخت الأركان وسقط البنيان.

ولما كان للشباب هذا الدور العظيم في نهضة الأمم، جاءت مبادرة “جيل 2030” في المغرب استجابةً لهذه الضرورة، حيث وُضعت لتكون أساسًا لتمكين الشباب، وفتح الأبواب أمامهم للمشاركة في بناء حاضرهم ومستقبلهم. فمن أوجه القوة في هذه المبادرة أنها تسعى إلى دمج الشباب في الحياة السياسية والمدنية، وذلك من خلال إشراكهم في صياغة السياسات العمومية، ومنحهم فضاءاتٍ للتعبير والتفاعل، مما يبعث فيهم روح المسؤولية ويجعلهم أكثر وعيًا وإدراكًا لتحديات مجتمعهم. فإنّ الأمة التي تعزل شبابها عن ميدان التدبير، لا تلبث أن تجد نفسها في دوامة الجمود، إذ تفقد قوى التجديد والابتكار.

وكما أن السياسة تحتاج إلى دماء جديدة تضمن استمراريتها، فإن الاقتصاد لا يزدهر إلا حين يُيسر للشباب سُبل الإنتاج، ويُفتح لهم باب الريادة والابتكار. وهنا تبرز أهمية هذه المبادرة في تنمية المهارات وتأهيل الشباب، حيث يُتاح لهم اكتساب الخبرات، والتدرب على آليات العمل في مختلف المجالات، مما يجعلهم أكثر قدرةً على الإبداع والعطاء. فكلما مُكّن للشباب في العلم والتدريب، وقويت قدراتهم العملية، عادت هذه المنافع على الأمة بأضعافها، وتقوى بهم نظام المعاش، واستقامت أحوال الرعية.

ولا يكتمل التمكين إلا إذا شبّ الناشئون على حب أوطانهم، مستشعرين في نفوسهم أمانة حفظها، باذلين جهدهم في نصرتها، عاملين على ازدهارها. فمبادرة “جيل 2030” لا تقتصر على إشراك الشباب في تدبير الشأن العام، بل تهدف إلى غرس القيم الوطنية وتعزيز روح المواطنة، حيث يُدعى الشباب ليكونوا فاعلين في نهضة وطنهم، مدركين لمسؤولياتهم، متشبثين بهويتهم. فإنّ كل أمة تفكّكت أو ضعفت إنما كان ذلك من فقدانها لهذا الشعور، حيث تسللت إلى نفوس شبابها الغفلة والتواكل، فصاروا جسدًا بلا روح، لا يعبؤون بما يحلّ بهم، ولا يتحركون لدفع الأخطار عنهم.

ومع انفتاح العالم وتطور التكنولوجيا، لم تعد الأمم تقاس فقط بعدد أفرادها أو سعة أراضيها، بل بقدرتها على استثمار عقول أبنائها، واللحاق بركب التطور. ومن هذا المنطلق، تسعى المبادرة إلى دعم التحول الرقمي والابتكار، مما يتيح للشباب فرصًا أوسع للتطور المهني والإبداعي، كما تسهم في تطوير البنية التحتية الرقمية، مما يجعل المغرب أكثر تنافسية في المجال التكنولوجي.

فإذا أُحكم بناء الشباب على هذا النهج، واستُكمل إعدادهم بالعلم والعمل، وقُدّمت لهم أسباب المشاركة والإبداع، صلحت الأمة وصلب عودها، وصارت قادرة على مجابهة التحديات، واستدامة عزّها بين الأمم. وإنّ “جيل 2030” ليس مجرد مشروع مؤقت، بل هو أساس متين لبناء مستقبل يكون الشباب فيه هم القادة والمبتكرين، يحملون مشعل التقدم، ويرسمون ملامح مغرب قوي ومزدهر.

فيصل أمشاشتو
عضو المجلس الجهوي لحزب الأصالة والمعاصرة بجهة سوس ماسة

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.