في مفهوم الديمقراطية الإجتماعية (3)

0 816

ذ.جمال مكماني

ثالثا : أهم الانتقادات الموجهة للديمقراطية الاجتماعية:

تواجه الديمقراطية الاجتماعية انتقادات كثيرة بخصوص مرجعيتها، بحيث يقال عنها أنها تتبنى سياسات تفتقد إلى سند نظري قوي، فهي بقيت حبيسة التحليل انطلاقا من ثنائية اليسار واليمين أي مقارنتها بالاشتراكية والليبيرالية بالرغم من كونها هي تجاوز لهذه الثنائية. ومن بين ما ساهم في ذلك هو كون الأحزاب الديمقراطية الاجتماعية وجدت صعوبة في فك الارتباط مع الاشتراكية، بل ظلت مشدودة إلى الأفكار اليسارية القديمة دون القدرة على تطوير بديل حقيقي لها.

كما أن أغلب ضربات خصومها تركز على نموذج الدولة الذي تدافع عنه (دولة الرفاهية)، حيث يعتبرون أن هذا النموذج هو تجميع للمخاطر وليس تجميعا للموارد، ويجعل الحكومات غير مزودة بالاستعدادات اللازمة لتغطية المخاطر الجديدة كتلك الناجمة عن التطور التكنولوجي أو عن الاستبعاد الاجتماعي. كما أنه نموذج (دائما حسب أنطوني غيدنز) غير ديمقراطي بالضرورة لكونه يعتمد على نظام يتدرج من أعلى إلى أسفل لتوزيع المنافع. كما أن القوة الدافعة له هي الحماية والرعاية، ولكنه لا يتيح مساحة كافية للحرية الشخصية. إضافة إلى أن منافع الرفاهية قد تؤدي إلى خلق نتائج عكسية من شأنها تقويض الأهداف التي أنشئت من أجلها، ويعطي غيدنز مثالا عن ذلك، بكون الناس قد تستفيد بشكل رشيد من الفرص المتاحة، حيث أن المساعدات التي يكون مقصودا منها مواجهة البطالة قد تفضي إلى البطالة، إذا ما استخدمت بشكل فعال كملاذ لتجنب سوق الشغل، فكلما ارتفعت قيمة المساعدات كلما تعاظمت فرص المخاطرة الأخلاقية، فضلا عن احتمالات الاحتيال.

إن نموذج دولة الرفاهية حسب خصوم الديمقراطية الاجتماعية، سوف يجد نفسه دوما أمام ضغط متزايد نتيجة الارتفاع المستمر لتكلفة الإنفاق، مما يجعلها مهددة باستمرار بالعجز المالي، بسبب الضغط على نظام المساعدات والزيادة الكبيرة في الإنفاق على الضمان الاجتماعي.

لقد كتب أحد المتخصصين في العلوم السياسية الهولندي كيين فان كييرسبرجن “أحد الأراء الأساسية التي توصل إليها الحوار الراهن -حول دولة الرفاهية- هو أنه من الخطأ التعامل مع الديمقراطية الاجتماعية باعتبارها مرادفا لدولة الرفاهية”، لذلك قال بأنه علينا بناء دولة الاسثتمار الاجتماعي بدلا عن دولة الرفاهية. وهذا نقاش يحيلنا إلى أن دولة الرفاهية ليست منتوجا خالصا لأحزاب الديمقراطية الاجتماعية أو على الأقل هناك اختلاف بخصوص ذلك، بل ورثتها من الأحزاب الاشتراكية لذلك نجد أنطوني غيدنز في كتابه “الطريق الثالث: تجديد الديمقراطية الاجتماعية” يتحدث عن الديمقراطية الاجتماعية الكلاسيكية ويدعو إلى تجديدها، كما أنه يعتبر أن المشكلات لا تعتبر دافعا للتخلص من دولة الرفاهية، بل تعدها جانبا من الأسباب الداعية إلى إعادة بنائها

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.