وهبي والاعتذار السياسي .. بين “الوعي الوطني” و”العقل السلطوي”

0 1٬325

بين متقبّلٍ لاعتذاره ومستنكر له؛ أثارت تصريحات عبد اللطيف وهبي، الأمين العام لحزب الأصالة والمعاصرة، الكثير من الجدل الذي بلغ مبلغَ الحدة في أحيان كثيرة.

في مقاله هذا، يحاول الكاتب المغربي عبد الإله السليماني تناول حدث “الاعتذار” هذا من مختلف الزوايا، مشيدا، من جهة، بـ”نبل” هذا الموقف، ومستغربا رفضَ “المتعجرفين السياسيين” لهذه المبادرة.

في سياق الدينامية الديمقراطية التي خلقها حزب الأصالة والمعاصرة منذ تولي الأستاذ عبد اللطيف وهبي قيادة الحزب، ومن أجل تنشيط حياة حزبية مغربية ديمقراطية، عمل الأمين العام للحزب على إطلاق حوار مع مختلف الأحزاب الوطنية، في محاولة منه لإنعاش نقاش ديمقراطي بين الأحزاب، يشكل رافعة لبناء مواطنة نشطة داخل مجتمع مغربي، على أهبة الدخول في انتخابات تجدد شرعية مؤسساته.

تعبيرا عن كل هذا السياق، عبر الأستاذ الأمين العام مؤخرا في حوار صحافي عن وعي وطني عال، بأهمية تشكيل سياسة جديدة تستجيب لمقتضيات المرحلة الجديدة التي يمر منها المجتمع المغربي، خاصة مع تداعيات “كوفيد-19” على الاقتصاد المغربي، كما عبر عن ثقافة ديمقراطية لقيادة جديدة تقطع مع كل المراحل السابقة، من العمل السياسي الذي كان يتعثر في أشباه القضايا ويلهو بقضايا فئوية تتناسى مصلحة الوطن والمواطنين.

وبنبل ديمقراطي رفيع، تحدث الأستاذ وهبي عبد اللطيف عما سماه “اعتذار” حزب الأصالة والمعاصرة عما صدر عنه في السابق تجاه الأحزاب المغربية من مواقف وتصورات، أبانت الظروف اليوم أنها لم تكن وليدة قراءة سليمة وصحيحة.

وبدل من أن تخلق مثل هذه المبادرات الديمقراطية استحسانا قويا وترحيبا، باعتبارها مواقف ديمقراطية جديدة على الحياة السياسية الحزبية المغربية، وبحكم أنها مؤشر على جيل جديد من القيادات الوطنية الطامحة لخدمة وطنها بوعي تاريخي حديث، يعيد للسياسة بالمغرب فعاليتها وجديتها، بدل كل هذا، انبرى البعض في اتجاه ردود فعل أقل ما يقال عنها إنها خارج الأفق الديمقراطي الوطني، الذي يتحدث من داخله الأستاذ الأمين العام لحزب الأصالة والمعاصرة، ويسعى إلى إشراكه مع الفاعلين الحزبيين بالمغرب.

إن تلقي حديث “الاعتذار” الذي عبر عنه حزب وطني ديمقراطي حداثي، بعقلية الاشتراط التي تبطن تعجرفا سياسيا أجوف، هو تلقٍ ينبئ بأن الديمقراطية بالمغرب لازالت لم تقنع بعض الأطراف داخل بعض الأحزاب، الذين يرون فيها فرصة لتحسين معيشتهم فقط وليس من أجل حياة فعالة للتنمية والتقدم.

نعلم جيدا أن “الذوق” بالمعنى الصوفي الديمقراطي لا يحمل عليه المرء بين عشية وضحاها، بل هو تربية ثقافية وتنشئة سياسية في مسار حزبي قد يخطئ هنا أو هناك، لكنه نشأ وتطور في صراع تحكمه قيم الديمقراطية والحداثة، وبالتالي فإن من يتشدق بقيم الديمقراطية مكرها ولحسابات ظرفية دون عمق ثقافي وفلسفي، غالبا ما يخونه دهاؤه الحزبوي ويبخس نبل المبادرات الديمقراطية، بل غالبا ما يعتبر انفتاح وتسامح الديمقراطية ضعفا وهوانا وجب الاستئساد عليه.

الذين استقبلوا دعوة الأستاذ الأمين العام عبد اللطيف وهبي للاعتذار السياسي بخطاب التعالي والاشتراط، إلى جانب أنهم عبروا عن إرادتهم للتربص بعدم فهم القيم الديمقراطية بنية مغرضة، تناسوا تاريخ حزبهم ومسار نخبهم، اللذين شكلا في بعض محطات التاريخ، ليس فقط أخطاء وسوء تقدير سياسي حزبي، بل شكلا عائقا تاريخيا أمام تقدم الأمة الإسلامية والعربية، ولولا انتصار الثقافة الديمقراطية داخل المجتمع المغربي، التي أرغمت مواقف وسلوكات العديد من زعماء وشيوخ وقادة هذه النخب التي تدرجت في التخلي عن الفكر النكوصي “وهذا أمر محمود”، لولا هذا الانتصار لكانت الحياة السياسية المغربية اليوم في وضع لا تحسد عليه.

يتحدثون عن نشأة حزب الأصالة والمعاصرة وقدرته على استقطاب مختلف حياة الشعب المغربي، ويتقولون بما يشفي غليل رفضهم لكل من ينافسهم في التنظيم والسياسة، ويتناسون نشأتهم وكأنها خرجت من هدير صوت الحق في الصراع مع الاستعمار، أو من هدير صوت المظلومين في المعامل وساحات الجامعات وحقول القمح… يتناسون أن بيانات نشأتهم خرجت من ولائم وموائد في الصالونات الفخمة، ويتناسون أن تطوراتهم السياسية سواء بالمغرب أو خارجه، لازال الوعي الوطني المغربي يحمل تجاهها علامات استفهام جارحة للمجتمع وللأمة.

إن ردود بعض الشخصيات الحزبية إزاء “الاعتذار” النبيل للأستاذ وهبي، تعد خارج السياق وتشبه المثل القائل: “الحكيم يشير بأصبعه إلى القمر والأبله يتأمل في الأصبع”.

فالاعتذار في الثقافة الديمقراطية هو تعبير عن أخلاق المسؤولية التي تنشغل بما يفيد المجتمع والوطن، وتشحذ كل ما يجعل السياسة فعالة لرفع التحديات، أما فهم هذا الاعتذار بتسرع وفظاظة على أنه ضعف، هو من باب أخلاق العقيدة التي تصرف النظر عن المصلحة العامة وتسجن في ذاتية تذكرنا بنكوصية مقيتة.

لا يثمن القيم الديمقراطية إلا من يتمتع بحساسية ديمقراطية مرهفة، ولا يبخسها إلا من ترعرع داخل عباءة العقل السلطوي، نفهم أن بعض الشخصيات غير الديمقراطية في بعض الأحزاب المغربية تضايقت من صعود خطاب ديمقراطي داخل حزب الأصالة والمعاصرة، وبدل تشجيع المبادرات التي يتبناها الأستاذ الأمين العام، تنبري دائما إلى سلوكات وخطابات إما للعرقلة أو للتشويه، سعيا منها ليبقى وضع الركوض والجمود الذي طبع الحياة السياسية المغربية في الآونة الأخيرة يخفي وضعها الحزبي غير الديمقراطي.

إن الدعوة للاعتذار هي دعوة لأفق سياسي جديد، تكون فيه الديمقراطية كاختلاف وتعدد فيما يفيد الوطن والمواطنة، لكن للسمو بالسياسة المغربية إلى هذا المستوى، نحتاج إلى رجال يأتون من المستقبل، نحتاج إلى قيادات جديدة وحيوية، أما من اختار المكوث في الماضي، فإن دوره لن يكون سوى معاكسة الأمل.

عن الموقع الإخباري “هسبريس”

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.