المستشار أدبدا لرئيس الحكومة: لم يعد مقبولاً استمرار الشرخ الكبير في التنمية بين المدن والقرى، والحكومة مطالبة بتوطيد خيار الجهوية المتقدمة

0 311

أكد المستشار البرلماني الشيخ أحمدو أدبدا، أن فريق الأصالة والمعاصرة بمجلس المستشارين يؤمن بقوة، بأن الحكومة مطالبة اليوم بضرورة توطيد خيار الجهوية المتقدمة، كخيار دستوري واستراتيجي لامحيد عنه لتعزيز المسار الديمقراطي وضمان التكامل والتناسق في السياسات والخدمات العمومية بين مختلف المناطق، وتقوية لحمة الوحدة الترابية والوطنية.

وأشار المستشار البرلماني في مداخلة وجهها لرئيس الحكومة خلال الجلسة الشهرية المنعقدة يومه الثلاثاء 19 دجنبر 2023، حول موضوع: “حصيلة برنامج تقليص الفوارق المجالية والاجتماعية، ودورها في تنمية الوسط القروي والمناطق الجبلية”، إلى أنه مع هذا الطموح الجماعي داخل مختلف مكونات الأغلبية يؤكد الفريق البامي على ضرورة العمل في المستقبل القريب على تقليص الفوارق المجالية فيما يتعلق بالاستثمارات، مع إيلاء عناية خاصة باستثمارات أبناء الجالية المغربية بالخارج في المناطق النائية، ووجوب وفاء القطاعات الحكومية بالتزاماتها التعاقدية ترابيا مع المجالس الجهوية والجماعات، وكذلك اعتماد معايير جبائية وضريبية بديلة كإعطاء الأولوية في توزيع موارد الضريبة على القيمة المضافة للجماعات الأقل تجهيزا من حيث البنيات التحتية.

واعتبر المستشار البرلماني جلسة اليوم محطة أساسية، ليس لتقييم ومساءلة حصيلة الحكومة في هذا المجال فحسب، “بل كذلك لمسائلة أنفسنا عن الاختلالات التي لاتزال تعيق العدالة الترابية والمجالية ببلادنا”. إذ لم يعد من المقبول استمرار ذلك الشرخ الكبير في التنمية بين المدن والقرى ببلادنا رغم التنبيهات المتعددة لصاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله، “وهي الحقيقة المرة التي لمسناها جميعا بمناسبة الزلزال العنيف الذي ضرب عددا من أقاليم المملكة، حيث كشفت هذه الكارثة الطبيعية عن التأخر التنموي الكبير الذي لاتزال تغرق فيه الكثير من مناطقنا القروية والجبلية”.

وأشار أدبدا إلى أن قضية العدالة المجالية والاجتماعية من الموضوعات الأساسية التي تحظى باهتمام المجلس مجلس المستشارين بطبيعة تركيبته، وهي مناسبة نوه من خلالها عاليا بمختلف المناظرات واللقاءات الدولية التي ظل ينظمها المجلس في هذا المجال، والتي عرفت مشاركات دولية وازنة، خلصت إلى مبادئ وأفكار وتوصيات عميقة، وكذلك هي اليوم محط سياسات وبرامج عمومية.

إلى ذلك اعتبر المستشار البرلماني جلسة اليوم استمرارا لهذا التوهج الريادي للمجلس، قبل أن تكون مناسبة لتقييم الحصيلة الحكومية في تنمية العالم القروي التي اعتبرها فريق البام أنه في حاجة ماسة إلى عناية والتفاتة أكبر من طرف الحكومة، بما يضمن الوفاء بالتزامات البرنامج الحكومي، ويحقق طموح جلالة الملك حفظه الله ونصره الذي أعطى تعليماته السامية سنة 2015 بإطلاق برنامج تقليص الفوارق المجالية والاجتماعية بالوسط القروي.

وتوقف المستشار البرلماني عند الحصيلة النوعية للحكومة الحالية، رغم عمرها الوجيز منتهزا هذه المناسبة ليثمن الجهود التي قامت بها وزارة الداخلية في هذا البرنامج خلال الفترة الممتدة ما بين 2017 و2023، والذي مكن من الإسهام في المجهود الوطني الخاص بفك العزلة عن السكان بالمناطق القروية والجبلية عبر إنشاء الطرق والمسالك القروية، وتأهيل قطاعي الصحة والتعليم، وتحسين ولوج الساكنة إلى الخدمات الأساسية المتعلقة بالكهرباء والماء الصالح للشرب، عبر سبع مخططات عمل جهوية سنوية لتنمية المجال القروي والمناطق الجبلية، بميزانية تفوق 50 مليار درهم، وبمصادر تمويل متعددة.

وفي ذات السياق ثمن المستشار البرلماني كذلك جهود وزارة الإسكان في سعيها نحو تقليص التفاوتات المجالية والاجتماعية، في إطار رؤية إصلاحية شمولية بنيت على مقاربة تشاركية هادئة تبلورت داخل فعاليات الحوار الوطني حول التعمير والإسكان الذي أطلقته الوزيرة فاطمة الزهراء المنصوري بجرأة كبيرة، وكذلك الجهود الجبارة التي تهم التهيئة الجيدة للفضاء العمراني للحد من التفاوتات المجالية وتكريس العدالة الاجتماعية، مشيرا كذلك إلى الحلول العملية لرفع الحيف الذي عانى منه العالم القروي من خلال تفعيل مقتضيات الدورية المشتركة مع وزارة الداخلية، أضف إلى ذلك البرنامج الأولوي الذي يخص 77 مركزا وبلورة البرنامج النموذجي ل12 مركزا قرويا صاعدا كمرحلة أولى لتفعيل مركز نموذجي بكل جهة، إلى غير ذلك من الخطوات التي تعبر بالملموس عن توجه الوزارة نحو الحد من الفوارق الاجتماعية والمجالية.

وأكد المستشار أدبدا أن فريق الأصالة والمعاصرة واعٍ بأن الحكومة الحالية تعمل منذ تنصيبها على تدارك النقص الحاد والإرث الثقيل في هذا المجال، وتسعى إلى تعزيز ركائز الدولة الاجتماعية وتقليص الفوارق المجالية والاجتماعية، معتمدة في ذلك منهجية قوامها السرعة في التفاعل، والجرأة في الإنجاز، والشجاعة في اتخاذ القرار. ذلك أن تكريس العدالة المجالية والاجتماعية هي أولا وآخرا قرارات جريئة وإبداع في إيجاد الموارد البشرية والتقنية والمالية اللازمة للقيام بالإصلاح غير المسبوق، مقدما كمثال في هذا الباب برنامج المساعدات المالية المباشرة للمواطنات والمواطنين في مجال السكن، حيث لأول مرة في تاريخ المغرب منذ الاستقلال إلى اليوم، سيستفيد العالم القروي والجبلي من الإعانات المالية المقدمة من الحكومة في مجال السكن، بعدما ظلت لعقود حكرا على الحواضر والعواصم الكبرى.

وحسب المستشار البرلماني فالغاية من برنامج محو الفوارق المجالية والاجتماعية هو تقليص العجز التنموي في العالم القروي، وتوفير الخدمات الاجتماعية الأساسية على مستوى 73 إقليما وعمالة، وما يزيد عن 1.253 جماعة قروية، و24.290 دوارا، واستهداف 12 مليون نسمة من كافة مناطق المملكة، وهو برنامج استطاع تحقيق نتائج “نعتبرها في فريقنا إيجابية جدا، حيث تمكنت بلادنا من تشـييد أكثـر مـن 9.200 كلـم مـن المسـالك والطـرق القروية؛ وفتح 56% من المؤسسات التعليمية الجديدة في العالم القروية؛ وعناية غير مسبوقة بالبنية التحتية في مجال العدالة من خلال بناء وتجهيز وإعادة تأهيل العديد من مراكز القاضي المقيم ومحاكم الأسرة بعدد من الجماعات القروية والترابية الصغيرة والمتوسطة، واتخاذ قرارات هامة على مستوى اللجنة الوزارية للاتمركز الإداري والتوجه نحو تفعيل نقل الاعتمادات المالية للتمثيليات الإدارية في القانون المالي المقبل، مع تعزيز خدمات الاستقبال باللغة الأمازيغية في المناطق النائية والجبلية لعدد من القطاعات الحكومية من خلال وضع أزيد من 460 عون لتوجيه المرتفقين بالأمازيغية. طبعا مع تحسين تغطية المناطق القروية بواسطة الشبكات الهاتفية والانترنيت على مستوى 10740 منطقة قروية.

وخلص المستشار البرلماني إلى القول، “لا ننكر أن الحكومة الحالية حققت نتائج هامة لساكنة العالم القروي والجبلي، من خلال إقرارها لسياسات خلاقة ومبتكرة في مواجهة الإرث الثقيل، هذا الإرث الذي يفرض علينا المزيد من تحديث العلاقة بين اللامركزية والمركزية من خلال إعطاء صلاحيات موسعة وتقريرية للجهات والجماعات الترابية، وهي سياسة جديدة نعتز أن الحكومة الحالية منخرطة في تنزيلها، ولعل من نماذج حرص الحكومة على تقليص الفوارق المجالية هو منجزاتها وسرعتها في تنزيل ورش الحماية الإجتماعية، لاسيما على مستوى تعميم التغطية الصحية على جميع فئات المجتمع، وإقرار التوزيع العادل للخدمات الاستشفائية عبر كافة التراب الوطني بإطلاق ورش تأهيل ما يقارب من 1400 مركز صحي أولي، وتعزيز الطاقة السريرية للمؤسسات الاستشفائية وإنجاز 1425 مشروعا صحيا”.

واسترسل في مداخلته بالقول: “بالقدر الذي نثمن فيه جهود الحكومة في مجال محاربة الفوارق المجالية والاجتماعية وبحصيلتها المشرفة جدا في هذا المجال، بالقدر نفسه نؤكد على أن الإرث ثقيل وثقيل جدا، يتطلب تظافر جميع الجهود، وانخراط الكل بحس وطني ومسؤولية عالية في ميثاق وطني غليظ يحقق إنصاف المناطق القروية والجبلية”.

تحرير: خديجة الرحالي/ تصوير: ياسين الزهراوي

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.