المناقشة العامة…أديب بنبراهيم يقدم قراءة مفصلة في التوجهات والفرضيات التي ارتكزت عليها الحكومة في مشروع قانون مالية 2024

0 756

قدم النائب البرلماني والخبير الاقتصادي والمالي، السيد أديب بنبراهيم، قراءة في السياق الدولي والوطني الصعب والاستثنائي الذي جاء فيه مشروع قانون مالية 2024، فبالإضافة إلى الزلزال الذي عرفته بلادنا، فهناك استمرار التوترات الجيوسياسية، وخصوصا تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية على الاقتصاد العالمي واندلاع الصراع في الشرق الأوسط، وتوالي سنوات الجفاف وندرة الماء بسبب التحولات المناخية.

وهي التحديات التي اعتبرها النائب البرلماني في مداخلة قدمها باسم فريق الأصالة والمعاصرة، خلال المناقشة العامة لمشروع مالية 2024، تفرض على الجميع العمل بجدية ومسؤولية على إيجاد الحلول الواقعية لكافة المشاكل والإكراهات، في أفق كسب رهان مغرب متقدم قوي يصنع مستقبله بكل مكوناته ومن أجل الجميع، ومباشرة الأوراش الاستراتيجية الوطنية داخل الآجال المحددة.

وفي هذا الصدد، دعا بنبراهيم كافة الفرقاء والقوى الوطنية الحية إلى تحمل مسؤولياتها في التحصين الجماعي للخيارات الاستراتيجية لبلدنا، المؤسساتية والسياسية والديمقراطية والحقوقية التي تم الحسم فيها من خلال العقد الاجتماعي الذي يمثله دستور فاتح يوليوز 2011. مشيرا أن الحكومة استطاعت في ظل هذه المتغيرات الدولية والوطنية الاستثنائية، أن تحقق ما تم تسطيره في البرنامج الحكومي القائم على تدعيم ركائز الدولة الاجتماعية ومواكبة تحول الاقتصاد الوطني، وتجويد الحكامة لخدمة المواطن ولفعالية الإدارة.

وذكر النائب البرلماني أن الحكومة لم تخلف موعدها مع أغلب الفرضيات التي التزمت بتحقيقها من خلال قانون المالية للسنة الجارية، حيث من المرتقب أن يصل معدل النمو 3,4% مع متم السنة المالية، مع عجز في الميزانية لا يتجاوز 4,5% كما كان متوقعا برسم 2023، الأمر الذي يفسر المؤشرات الإيجابية لمجمل القطاعات الاقتصادية خلال السنة الجارية، وخصوصا القطاع الفلاحي والسياحي والقطاعات التصديرية.

وأكد النائب البرلماني أن الحكومة نجحت بإرادتها السياسية الواضحة، في التخفيف من الضغوطات التضخمية على القدرة الشرائية للمواطنين، ومواصلة اتخاذ التدابير الاستباقية، وهو ما كلف ميزانية الدولة أكثر من 10 ملايير درهم إضافية، وهذا راجع إلى التدبير الجيد لماليتنا العمومية والحفاظ على توازنها، وهو خير طريق للحفاظ على المصداقية والسمعة الجيدة التي تحظى بها بلادنا من لدن المؤسسات المالية الدولية والمستثمرين والشركاء الدوليين، وهو خيار يجب أن يبقى أولوية لتعزيز السيادة الوطنية وتفادي التبعية لمؤسسات الإقراض الدولية.

وعرج النائب بنبراهيم للحديث عن التوجهات الكبرى التي ارتكز عليها مشروع قانون المالية، حيث انخرط في مواصلة الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية والمالية، وأعطى الأولوية القصوى لتنزيل البرنامج الملكي لإعادة البناء وتأهيل المناطق المتضررة من الزلزال، سواء تعلق الأمر بالشروع في صرف المساعدات المالية لفائدة الأسر، والدعم من أجل إعادة بناء المساكن أو ترميمها، أو فيما يتعلق بالتدابير الاستعجالية التي تهم تأهيل القطاعات المتضررة وخاصة التعليم والصحة والتجهيز والفلاحة.

أما فيما يتعلق بالجانب الاقتصادي، أكد النائب بنبراهيم على الدينامية الإيجابية للمجهود الاستثماري للدولة، حيث أبانت هذه الحكومة على إرادة قوية في جعل الاستثمار العمومي دعامة أساسية، وقاطرة قوية للاقتصاد الوطني وللاستثمار الخاص ولسياسة خلق فرص الشغل، ذلك أن هذا المجهود سيعرف زيادة مهمة مقارنة مع السنة الجارية من 300 مليار حاليا إلى 345 مليار درهم يرسم السنة المالية المقبلة.

وثمن النائب البرلماني الركائز التي انبنت عليها خارطة الطريق لتحسين مناخ الأعمال التي يجب الحرص على توطيدها بما يجعلها تستجيب للأولويات الاقتصادية، وكذا مواصلة التنزيل الأمثل للميثاق الجديد للاستثمار في اتجاه تقليص الفوارق بين الأقاليم والعمالات في مجال جذب الاستثمارات ومعالجة آجال الطلبيات العمومية وتجريدها من الصفة المادية ضمان للشفافية ومحاربة الفساد الذي ظل يشوب هذه العملية منذ عقود. مشيرا إلى أن الميثاق الجديد للاستثمار يجب أن يستثمر لفائدة دعم الجهات والمناطق الأكثر تضررا ولفائدة المقاولات الصغرى والمتوسطة.

وحيى النائب البرلماني جرأة وشجاعة الحكومة في اعتماد مقاربة تشاركية ومندمجة وشاملة لمواصلة إصلاح منظومة العدالة والترسانة القانونية المرتبطة بسير قطاع العدل، مذكرا بمصادقة مجلس النواب خلال اليومين الماضيين على مشروع قانون العقوبات البديلة، ومشروع قانون تدبير المؤسسات السجنية، كما ستنكب، في الأيام القليلة المقبلة، لجنة العدل والتشريع على دراسة مشاريع القوانين المتعلقة بالمسطرة المدنية والمسطرة الجنائية ومجموعة القانون الجنائي، بالإضافة إلى القوانين المنظمة للمهن المرتبطة بالقضاء.

وبالتوازي مع ذلك،سجل بنبراهيم بإيجابية، عزم الحكومة على مواصلة تنزيل الرؤية الملكية بخصوص السياسة المائية، من خلال تعبئة غلاف مالي يقدر بخمسة ملايير درهم برسم السنة المالية المقبلة، وذلك وعيا من الحكومة بالأهمية الاستراتيجية للماء في مختلف مناحي الحياة، ولا سيما بالنسبة للقطاع الفلاحي من أجل تحقيق الأمن الغذائي، في استحضار تام لمعاناة الفلاح الصغير والمتوسط مع استمرار السنوات العجاف ومواصلة تقديم كل أنواع الدعم له.

وعلى صعيد اخر، أكد بنبراهيم أن البرنامج الجديد لدعم السكن، سيشكل أحد أكثر النقط البارزة في السياسة الاجتماعية لهذه الحكومة، وذلك بانتقالها من الدعم غير المباشر الذي كثر حوله اللغط، إلى الدعم المباشر بشفافية ووضوح لافتين، بما يضمن استفادة المواطنات والمواطنات ومغاربة العالم فيما يتعلق بالولوج للسكن الكريم واللائق وبشروط صارمة ودقيقة، وبما يضمن أيضا حركية اقتصادية في مجال العقار.

واعتبر النائب بنبراهيم أن الارتفاع المتتالي لميزانية قطاع الصحة والتعليم يعكس الاهتمام والعناية الكبيرين اللذين توليهما الحكومة للجانب الاجتماعي، فلأول مرة ترتفع ميزانية التعليم بزيادة قدرها 10%، وهي زيادة أملاها الإصلاح المنشود الذي يرتكز على التعليم الإلزامي، وتحسين مستوى التعلمات وتعزيز تنمية التلميذ، بالإضافة إلى تقوية الرأسمال البشري المنتمي للمنظومة.

وأبرز النائب البرلماني أن قطاع التشغيل يحظى بأهمية بالغة في مشروع قانون المالية لهذه السنة، فبالإضافة إلى الالتزامات المالية المخصصة لبرنامجي أوراش وفرصة، تم تخصيص أكثر من 50.000 منصبا ماليا برسم سنة 2024، هذا دون الحديث عن فرص الشغل التي سيتم إحداثها لدى القطاع الخاص.

وسجل الخبير الاقتصادي بارتياح كبير الالتزام الحكومي بمواصلة الإصلاح الجبائي العميق والشجاع، وذلك بالاستمرار في تنزيل مضامين القانون الإطار المتعلق بالإصلاح الجبائي، الذي سيتمحور برسم مشروع قانون المالية، حول إصلاح الضريبة على القيمة المضافة والقطاع غير المهيكل، بالمنهجية نفسها المعتمدة خلال قانون المالية لسنة 2023.

وفي هذا السياق، نوه النائب البرلماني بالعديد من التدابير الجبائية والجمركية التي يحفل بها مشروع قانون المالية لهذه السنة، والتي جاءت في إطار مواصلة تنزيل مضامين القانون الإطار للإصلاح الجبائي، حيث أعطى مشروع قانون المالية لهذه السنة الأولوية لإصلاح الضريبة على القيمة المضافة.

وخلص النائب البرلماني إلى التأكيد على أولوية ومركزية وأهمية تنزيل برنامج الإعمار والتأهيل للمناطق المتضررة من الزلزال، باعتبارها مناطق تنتمي للعالم القروي الذي نعرف جميعا أوضاعه، وهذا البرنامج الملكي الطموح، الذي اعتمد مقاربة نموذجية ومندمجة لفائدة هذه الساكنة القروية المتضررة، متمنيا أن تحرص الحكومة كل الحرص على حسن تنزيله، وأن تجعل منه نواة ونقطة انطلاق لسياسة جديدة دامجة لكل ساكنة العالم القروي، ولا سيما في المناطق الجبلية والنائية في جميع ربوع الوطن.

تحرير: خديجة الرحالي/ تصوير: ياسين الزهراوي

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.