الوزير عبد اللطيف وهبي يدعو أهل الفكر الإسلامي إلى ضرورة مواكبة “تشريعاتنا الدينية” لتطورات العالم اليوم

0 635

أكد وزير العدل والأمين العام لحزب الأصالة والمعاصرة، أن ما يعرفه العالم اليوم من تطورات سريعة، وَمُقْتَضَيَات وتحديات وإكراهات متواصلةٍ غير محدودة، يلزمنا بضرورة استيعابها ضمن منظومتنا الدينية، وتقوية قدراتنا للتجاوب معها بفعالية وإيجابية، حِرْصا مِنا على الِانْخِراط في مسارات التحديث القانوني والمُؤَسسِي، وابْتَغَائِنا لما فيه مصلحة الفرد والجماعة، واستفادتنا من كل المكتسباتِ الكونيةِ والحقوقيةِ.

ولا يمكن ذلك إلا بفكر مقاصدي، يفتح أمامنا سُبُل الاجتهاد والإبداع، ويَمْنَحُنَا وسائل التَّفاعُل مع النص الديني بقراءات متجددة، وآليات مُسْتَحْدَثَةٍ للتجديد، وإعادة النظر في التشريعات والقوانين المرتبطة بواقع الناس ومعاشهم اليومي.

وأوضح وزير العدل في عرض قدمه خلال حلوله ضيفا على مؤسسة الفقيه التطواني، مساء اليوم الثلاثاء 18 أبريل 2023، في لقاء فكري حول موضوع “لن أحل ما حرم الله، ولن أحرم ما أحل الله، بين الدلالة الشرعية والتوظيف الأيديولوجي”، أن التشريعات الدينية لَمْ تَتَنَزَّل عَبَثا وَلَا كَان تَقْنِينُها بِغَيْر أهداف ومقاصد واضحةٍ ومعلنة، وإنما شُرِعَت لتحصيل مقاصد مرجوة، مبرزا أن مقاصد الشريعة تعني جلب المصلحة.

وعلى صعيد اَخر، أكد الوزير أن الحديث عن الاجتهاد والتجديد ضمن مقاصد الشريعة الإسلامية، لابد فيه من الحسم في طرق التعامل مع النص الديني، وتجديد الآليات والأدوات اللازمة لفهمه واستنباط الأحكام من منطوقه ودلالاته، والتمييز فيه بين ما هو ثابت وما هو قابل للتغير بتغير الأزمان والأماكن والأحوال والعادات والأعراف، باستحضار المقاصد العامة للشريعة، والأخذ بقاعدة جلب المصالح ودرء المفاسد.

كما شدد وزير العدل على ضرورة إدراك الواقع بكل تعقيداته وتركيبه، والاستعانة بأهل الاختصاص في معرفة تطور الحالة الاجتماعية، ورصد التحولات السوسيو ثقافية، وكل خبرة لازمة لمعرفة الواقع واحتياجاته وإكراهاته، وهو ما عبرت عنه كلمة صاحب الجلالة ب”التشاور والتحاور، وإشراك جميع الفعاليات والمؤسسات المعنية”.

واعتبر وزير العدل أنه من المهم جدا وضع السؤال حول علاقة الإسلام بالتاريخ وتقلباته وقوانينه وآفاقه، فهي علاقة معقدة ترد عليها عدد من المتغيرات، فالدين في أصله خطاب في المطلق، مجرد عن الزمان والمكان، والتاريخ متحول وحيوي ومتغير، الدين يهدف إلى الهيمنة على التاريخ، والتاريخ بحكم ديناميته وارتباطه بالزمان والمكان ينزع للتمرد على هذه الهيمنة، وهو ما يفرض على الدين في الأخير أن يعيد إنتاج نفسه باستمرار، حسب ما تقتضيه الخصوصيات الزمانية والمكانية.

ولتحقيق المصالحة بين هذين المكونين، بحيث يكون الدين صالحا لكل زمان ومكان، ومستوعبا لكل تغيرات التاريخ وتحولاته، دعا الوزير لإعادة مفهومنا وتصورنا للدين، واعتباره منظومة قيم إنسانية كونية، أَكْثَرَ مِنْ كَوْنِه جُمْلَة من الأحكام النصية المرتبطة بسياقات تاريخية وثقافية مَخْصُوصَة..

وفيما يتعلق بمحور: الحاكم هو من يحقق مناطات الأحكام ويجتهد في التنزيل، قال وزير العدل: “لابد من الوعي بأن كل هذه المستجدات التي تعرفها مسيرة الحياة، والتغيرات الهائلة والتطورات المذهلة، في شتى المجالات ومختلف المظاهر والتجليات، في السياسة والاجتماع والمال والاقتصاد، وفي العلاقات الدولية والمواثيق العالمية ونظم المبادلات، ولابد مِن التعامل معها بمنهج دقيق، جامع بين مراعاة التنزيل وسداد التأويل، أصيل في ثوابته ومسلماته، حديث ومرن في تَنَاوُلَاتِهِ وآلياته وأدواته، جامعا بين المنقول والمعقول، ولا يكون كل هذا إلا بما سماه الأصوليون بـ”تَحْقِيق المَنَاط”.

وفي ذات السياق، اعتبر الوزير أن عملية تحقيق المناط، واعتمادها على الكليات بدل الفرعيات والجزئيات، كانت لتغنينا عن كثير من الخلافات والنزاعات حول عدد من قضايا المجتمع، فهي جامعة لأسس الاجتهاد، الشريعة بنصوصها ومقاصدها، ومصالح العباد بإكراهاتها وتحدياتها، وموازين الزمان والمكان وتغيراتها، وبهذا يمكن التفريق بين القيم والأحكام الفرعية، مشيرا إلى أن من يحقق هذا المناط، فإن ذلك يختلف باختلاف الجهات المقصودة بالخطاب، فإذا كان الخطاب موجها إلى الفرد كان أعلم بقضيته من غيرها، أما إذا كان موجها إلى الجماعة أو القاضي أو السلطان، أو ما يعرف ب الجهة الولائية، فإليها تحقيق المناط دون غيرها.

واعتبر وزير العدل أن القوانين العامة المؤطرة للمجتمع والمحافظة على سلمه واستقراره، لمؤسسة الحكم بكل عناصرها، أن تحقق معها المناط، وترى شروط وموانع تنزيلها على الواقع، بما يطرح أمامها من معلومات ومعطيات وتقارير، تصرفا بالإمامة والرئاسة، وليس تجاوزا للأحكام الشرعية أو معارضة للنصوص الدينية، وإنما هو تدبير في مجال التنزيل، وضبط دقيق للعلاقة بين النص والواقع، وهذا هو عين ما جاء في الخطاب الملكي، من أن الملك بصفته أميرا للمؤمنين لا يمكنه أن يحل حراما أو يحلل حراما، مع الانفتاح على الاجتهاد وتفعيل مقاصد الشريعة، فهي تأكيد للموقف الديني والعقدي في احترام أحكام الشريعة، وفي الوقت ذاته عدم غلق الباب أمام التصرفات الولائية في الاجتهاد والتنزيل.

تحرير: خديجة الرحالي/ تصوير: ياسين الزهراوي

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.