ندوة الفقيه التطواني .. الوزير عبد اللطيف وهبي ينبه إلى إلزامية استحضار العقل والمنطق في تحقيق المصلحة مع مراعاة القيم العامة للشريعة الإسلامية

0 447

اعتبر وزير العدل والأمين العام لحزب الأصالة والمعاصرة السيد عبد اللطيف وهبي؛ أنه من المهم جدا في سياق الحديث عن مفهومي الحلال والحرام، التفريق بين حقلي العبادات والمعاملات، ليوضح أن المرجع والحكم في العبادات هو النقل من نص أو تواتر عملي، ولا مجال للعقل في تحديد أعداد الصلوات، أو شهر الصيام، أو مكان الحج، وأما المعاملات فالأصل فيها سلطة المصلحة والعقل، وهو تفريق منطقي.

وأكد وزير العدل ضمن عرض قدمه خلال حلوله ضيفا على مؤسسة الفقيه التطواني، مساء يوم الثلاثاء 18 أبريل الجاري، في لقاء فكري حول موضوع “لن أحل ما حرم الله، ولن أحرم ما أحل الله، بين الدلالة الشرعية والتوظيف الأيديولوجي”، أن العبادات تنبني على التوقيف، ولابد فيها من النص والنقل، وأما المعاملات فهي مجال الإبداع البشري، واستخدام العقل لما فيه تحقيق المصلحة، مع مراعاة القيم العامة التي جاءت بها الشريعة، وتغير هذه المصالح بتغير الأزمان، مع استحضار كل النصوص القرآنية التي تحث على النظر والتفكر والتعقل، كقوله تعالى: “إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون”، وقوله تعالى: “قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون إنما يتذكر أولو الألباب”، فليست مقصورة على النظر في الكون لأغراض إيمانية وعقائدية، وإنما هي مرجع في كل ما تتوقف عليه مصالح الناس وحياتهم.

ويرى وزير العدل أنه بسبب هذا التفريق كانت دائرة الحلال واسعة جدا، وضاقت دائرة الحرام إلى أبعد الحدود، معتبراً أن المباح لا يحتاج إلى دليل، فهو حلال بحكم الاستصحاب والبراءة الأصلية، فيما الحرام يحتاج إلى إثبات الضرر وضياع المصلحة.

وفي ذات السياق، يؤكد الوزير أنه ما كان من توسيع دائرة الحرام في القرون المتأخرة، إلا للجهل بمقاصد الشريعة القائمة على التيسير ورفع الحرج، والجهل في كثير من الأحوال بنصوص وآراء أخرى مخالفة للمشهور من الأقوال، والخلط الواقع بين الدين والعادات، وعدم التفريق بين الحرام والشبهة والمكروه، وتحري الزهد والورع أحيانا مع أنه مسلك شخصي لا يمكن حمل الناس عليه، فلذلك توسعت دائرة الحرام وصار أصلا، فيما كان الأولى توسيع دائرة الحلال رفعا لكل الحرج وتيسيرا على الأمة.

وفيما يتعلق بمحور :”حكم الحاكم يرفع الخلاف في الأمور الاجتهادية”، استحضر وزير العدل أهم المباحث المتصلة بالاجتهاد والتشريع باعتبارها مسألة ترجيحات الحكام واختياراتهم؛ بحيث من المقرر أنه إذا ما تعددت اجتهادات العلماء، وتعذر الاتفاق على رأي واحد يحتكم إليه على وجه الحسم في شؤون الناس والمجتمع والدولة، فإن لولي الأمر الحق في الترجيح بين الاجتهادات. وذلك تفعيلا للاجتهاد وَسَدًّا لِلذَّرَائِع في المُستجداتِ والنوازل وبوجه خاص القضايا ذات الصلة بالثوابت المرجعية حفظا لمصالح الأمة والأفراد ومختلف مكونات المجتمع.

وفي هذا الصدد، أفاد السيد وهبي أنه لذلك بلور الفقهاء والأصوليون وقعَّدُوا قاعدة: “حكم الحاكم يرفع الخلاف في الأمور الاجتهادية”. وبمقتضى هذه القاعدة يجوز بل يحق للحاكم أن يحسم الخلاف باختياره لرأي من الآراء الاجتهادية.

وهي القاعدة التي يرى وزير العدل أنها تجد مُسْتَنَدَهَا في أمر الشرع بِنَصْبِ الإِمَام سعيا لإعمال السياسة تدبيرا للشأن العام للأمة، وَقَطْعًا لِدَابِر النزاع والشِّقَاق والْخِلاَف؛ جَلْبًا للمصالحِ وتَكْثيرِهَا وَدَرْءًا للمفاسد وتقليلها بناء على القاعدة الشهيرة: “تصرف الإمام في الأمة منوط بالمصلحة”.

والأهم، في هذا السياق، حسب وزير العدل، هو أن حكم الحاكم وتحكيمه يظل، رغم طابعه الإلزامي، قابلا للتغير تبعا لتغير الأحوال والمصالح كما هو الأمر في تقييد المباح أو إطلاقه.. من قبيل: تقييد التعدد في الزواج ضمانا للإنصاف والعدل؛ وتمكين المرأة من حقوقها في المشاركة السياسية تصويتا وترشيحا في الانتخابات في إطار من المساواة القانونية المكفولة بمقتضى الدستور بينها وبين الرجل؛ وتحديد السن الأدنى للزواج، والحق في انتقال جنسية المرأة المغربية إلى أبنائها.

وأكد وزير العدل أن دور الحاكم يَتَأَسَّس في تقييده للمباح على مبدأ المصلحة العامة التي تعد مَنَاط مشروعية الولاية العامة على الأمة، إذ قرر الفقهاء على أن للحاكم تَقْييد المُبَاح تحقيقا للتكافل الملزم، سواء من الوجهة الاجتماعية، أو الاقتصادية، أو السياسية.

وأوضح الوزير أنه إذا كانت أغلب القضايا الخلافية في مجال المعاملات تَنْدَرِج ضمن حكم الحاكم لِيَحْسِمَ فيها الخلاف؛ فلأن أَغْلَبَهَا أحكامٌ مُعَللَة، أو قائمة على العرف. علما أن كل من العلة والعرف قد يتغير من مكان إلى مكان ومن زمان إلى زمان، فيتدخل الحاكم فيها ويحسم الخلاف، تحقيقا لمصلحة الناس ومنعا للفوضى والاضطراب في الأحكام.

وحسب الوزير أنه إذا كان القضاء يرتكز على الحجاج، والفتيا تنهض على الأدلة، فإن “تصرف الإمامة الزائد على هذين يعتمد المصلحة الراجحة أو الخالصة في حق الأمة”، مشيرا إلى أن الأحكام الاجتهادية القائمة على مصلحة بذاتها، تبقى معتبرة ما بقيت هذه المصلحة، التي هي مَنَاطُ الحُكم وَعِلَّتهُ، فإذا انتفت وجب أن يتغير الحكم تبعا لها.

وختم وزير العدل عرضه بكلمة بليغة للفقيه ابن القيم الجوزية، حيث يقول: “إن الشريعة مَبْنَاهَا وَأَسَاسُهَا على الحِكم ومصالح العباد في المَعَاش والمَعَاد، وهي عَدْل كُلهَا، ورحمةٌ كلها، ومصالحُ كلها، وحكمةٌ كلها، فكل مسألةٍ خَرَجَتْ عن العدل إلى الجَوْر، وعن الرحمة إلى ضِدّهَا، وعن المصلحة إلى المفسدة وعن الحِكْمَةِ إلى العَبَثِ، فليست من الشريعة، وإن أدخلت فيها بِالتَّأْوِيل”.

تحرير: خديجة الرحالي/ تصوير: ياسين الزهراوي

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.