وزير العدل يبدي رأيه في فهم مقولة جلالة الملك: “لا أحل ما حرم الله ولا أحرم ما أحل الله”

0 6٬947

بسط وزير العدل والأمين العام لحزب الأصالة والمعاصرة، السيد عبد اللطيف وهبي، طريقة فهمه للمقولة التي عبر عنها جلالة الملك محمد السادس بمناسبة عيد العرش للعام 2022: “لا يمكنني بصفتي أميرا للمؤمنين أن أحل ما حرم الله ولا أحرم ما أحله الله، لاسيما في المسائل التي تؤطرها نصوص قرآنية قطعية”، مؤكداً أن الخطاب الملكي كان واضحا في أن أي عملية إصلاح أو تعديل تشريعي متعلق بالأسرة لا يمكن أن تتعارض مع هوية الدولة وثوابتها الدينية.

وقدم وزير العدل خلال حلوله ضيفا على مؤسسة الفقيه التطواني، مساء اليوم الثلاثاء 18 أبريل الجاري، في لقاء فكري حول موضوع “لن أحل ما حرم الله، ولن أحرم ما أحل الله، بين الدلالة الشرعية والتوظيف الأيديولوجي”. (قدم) تصوره لهذه المقولة لصلتها بعملية الإصلاح والتجديد التي يروم إنجازها من خلال جملة من القوانين، وذلك عبر ستة أسس، أولها يحمل عنوان “مبدأ الشرعية أساس مشروعية الحكم ومرتكز عملية الاجتهاد والتجديد”، موضحا بالقول: “مبدأ الشرعية ظَلَّ يُمَثِّلُ رُكْنًا رَكِينًا في التأسيس لمشروعية الحكم في بلدنا؛ فَوَلِي الأَمْرِ يُعَاقِدُ وَيُعَاهِدُ الأمة على الالتزام بأحكام الشريعة الكلية ومقاصدها، ويصون مبادئ الدين، ويحكم بالحق والعدل، ويكفل الحقوق والحريات، وفي المقابل تلتزم الجماعة بطاعته، وَتَتَعَهَّدُ بِنُصْرَتِه، في كل ما من شأنه أن يحمي مصالح الأمة، ويدافع عن حقوقها الفردية والجماعية وكرامتها ووحدتها”.

وأضاف الوزير: “كما ظل يشكل مُرْتَكَزًا مِنْ مُرْتَكَزَات الاجتهاد والتجديد عبر مسيرتها الحضارية الممتدة. وفي هذا الإطار؛ يضيف وهبي؛ أكدنا أن التزام ولي الأمر بمبدأ الشرعية، فِي سِيَاق نُهُوضِه بِوَاجِب التحكيم، لَمْ يَأْت لِيغل يَدَه بقدر ما أتى لِلْإِفْسَاح لَه في عملية الاجتهاد”، مستحضرا في هذا الصدد، ما استخلصه المؤرخ والمفكر عبد الله العروي في أطروحته التأسيسية حول “الأصول الاجتماعية والثقافية للوطنية المغربية..” حينما قرر أن “السلطانَ إِمَامٌ، وتفرض عليه وظيفته إِقْرَارَ وضمانَ سمو الأحكامِ الشرعيّةِ. وهو من موقعه هذا أعلى سُلْطَةٍ فقهيّةٍ وقضائيّةٍ في البلاد، يبت وَيَفْصِلُ في القضايا المستعصية”.

وأكد وزير العدل أن التنبيه على أن التزام الملك بمبدأ الشرعية في الخطاب السالف الذكر جَاءَ مُرْتَبِطًا وَمَشْرُوطًا بِحِرْصِ جَلَالَتِهِ على أن يتم ذلك “في إطار مقاصد الشريعة الإسلامية، وخصوصيات المجتمع المغربي، مع اعتماد الاعتدال والاجتهاد المنفتح، والتشاور والحوار، وإشراك جميع المؤسسات والفعاليات المعنية”.

وأبرز الوزير وهبي أن مبدأ الشرعية المتمثل في قول جلالة الملك: “لا يمكنني بصفتي أميرا للمؤمنين أن أحل ما حرم الله وأحرم ما أحله” يؤكد صَلَاحِياتِهِ الدستوريةَ كسلطة تحكيميّةٍ شرعية عليا تَدْرَأُ الخلاف بين مكونات الأمة. والتحكيم لا يكون بَدَاهَةً إلا بالتوفيق والتشاور والاجتهاد سعيا لما فيه المصلحة: أينما كانت المصلحة فتم شرع الله. أينما كان العدل فتم شرع الله.. وهي الصلاحيةُ الدستوريةُ الحديثةُ التي تجد سندها الشرعيَ والتاريخي في القاعدة التي مفادها أن حُكْم الحَاكِم يَرْفَع الخِلَاف فِي الأُمُور الِاجْتِهَادِيَة.

واعتبر الوزير في ذات المداخلة أن جُلُّ ما يَجْرِي وَسمهُ بل وَوصمهُ بالقوانين الوضعية غالبا ما لا يتعارض مع المرجعيةِ الشرعيةِ؛ ليحقق بذلك مصالح الناسِ انطلاقا من مُطَابَقَتِه لروح الإسلام ومقاصد الشريعة، مشيرا إلى أنه مِثْلَما قام دستورُ المدينةِ في العهد النبوي على إقرارِ أَعْرَافِ بعض القبائل العربية في أَحْكَامِ الدِّيَاتِ والْعَاقِلَةِ لتغدو، تبعا لذلك، جزءا من الفقه الإسلامي، فقد أشادَ الرسولُ الأكرم وامْتَدَح وأَثْنى صلى الله عليه وسلم على عَدل ملك الحبشة وهو يَرْأَس دولةً لا تَدِين بالإسلامِ كما أَعْلَى مِنْ شَأْن وَقيمَة “حلفِ الفضولِ” الذي يُؤَسس لمشروعية التَّحالُف والتَّعاهُد مع المختلفين مَعَنَا في المِلَّةِ والثقافةِ والدينِ من أجل الدفاعِ عن حقوق وحريات وقيم إنسانية كونية.

وأبرز الوزير أن الاحترام الواجب لجلالته يقتضي منا كسياسيين، أو كمفكرين وحقوقيين، أو كفاعلين مدنيين وغيرهم، ألا نتعامل مع خطبه وتوجيهاته بنوع من الانتقائية السياسية، أو لتصفية حسابات سياسوية أو فكرية صغيرة، فجلالة الملك يخاطب الأمة بصفته أميرا للمؤمنين، وبذلك فخطبه وتوجيهاته تكمل بعضها البعض، وتسعى نحو الأفق والمطلق، وليس إلى الجزئيات؛ كما أن لخطب الملوك دلالات كلية لما يأمرون به، لذلك لا تقحم خطبهم وتوجيهاتهم ضمن تلك المنازعات الضيقة التي يسعى إليها الذين لا تهمهم سوى المكاسب السياسية الصغيرة.

مشيرا إلى أن الإجماع حول جلالته يقتضي كثيرا من الاحترام والتواضع، والترفع عن التوظيف والاستغلال المقيت لبعض الكلمات لتحقيق انتصارات وهمية، لأن هذا الإجماع يجعل المغاربة يتفهمون مقاصده وأهدافه ولا يمكن أن يزايد عليهم أو يغلطهم أي كان.

لذلك تجدني اليوم مضطرا للحديث حول هذا الموضوع، إسهاما مني في إشاعة الوعي بالمغزى الحقيقي لمبدأ الشرعية، والنَّأْيَ به عن كل أشكال التوظيف الساعية إلى رَفْعِهِ شِعَارَ حَقٌّ يُرَادُ بِهِ باطل، وَحُجَّةٌ لوقف كل مساعي تحقيق الحرية والعدل والمساواة بين المواطنات والمواطنين، ورفع الظلم والحيف عن كل فئات المجتمع، والإسهام في بناء دولة عصرية قوية.

تحرير: خديجة الرحالي/ تصوير: ياسين الزهراوي

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.