الحجيرة: نجاح الديمقراطية المحلية رهين بحجم وقوة الاستقلال المالي للجماعات الترابية

0 978

قال، عضو الفريق النيابي للأصالة والمعاصرة، والباحث في المالية والتنمية، الدكتور محمد الحجيرة، إنه على ضوء التعديل الذي عرفه القانون 06-47 ومصادقة البرلمان عليه في نهاية السنة الماضية وقبل بداية السنة المالية الحالية، ونظرا للمستجدات التي عرفها مشروع قانون المالية للسنة الماضية، “كنا نود كفاعلين سياسيين أو باحثين لو أن هذا المشروع المتعلق بالجبايات الترابية أو بالجبايات المحلية بشكل عام أن يأخذ عمقه من توصيات المناظرة الوطنية للجبايات المحلية، على اعتبار أن هذه التوصيات كان جزء منها يهم هذا الباب. لكن الأمور التي بين أيدينا اليوم تهم جزءا من التوصيات وجزءا من المرتكزات أو المحاور التي تهم المالية المحلية بشكل خاص”.

وعرج الحجيرة، ضمن مداخلة له إطار الندوة الرابعة ضمن سلسلة الندوات المنظمة، مساء أمس الخميس 06 ماي الجاري، بمبادرة من المنصة العلمية MarocDroit، ومنتدى الباحثين بوزارة الإقتصاد والمالية والمركز الدولي للدراسات والبحث العلمي متعدد التخصصات وشراكة مع كل من ماستر التدبير الإداري بكلية متعددة التخصصات بالناظور وماستر التقنيات الجبائية بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية ابن زهر بأكادير، تحت عنوان: “القانون المتعلق بالجبايات الترابية 20-07 ، قراءة متقاطعة”، (عرج) على سؤال تمويل الجماعات الترابية من خلال ما جاء في القوانين التنظيمية الثلاث مع مقارنة مع ما كانت عليه الموارد المالية مكتفيا هنا بالإشارة فقط إلى الجهة، والمجهودات التي قامت بها الدولة أو التي ستقوم بها على مستوى تحويل الموارد المالية.

وأضاف عضو الفريق النيابي للأصالة والمعاصرة وهو يجيب عن سؤال الاستقلال المالي للجماعات الترابية بعد صدور القانون 20-07 المتعلق بالجبايات الترابية؟، أن الشق المتعلق بالجهات مثل قطيعة حقيقية على اعتبار أنه في السابق أي عندما كان الوضع الترابي 16 جهة على امتداد التراب الوطني، كانت الموارد المالية لا تتجاوز 1 مليار درهم. والآن مع نهاية هاته الولاية سيصبح الرقم هو 10 ملايير درهم.

وأشار المتحدث إلى موضوع التلازم ما بين الوسائل القانونية كمقومات أساسية لنجاح التدخلات التنموية للجماعات الترابية، فكل المؤشرات المتعلقة بالتنمية الترابية تلتقي في مسألة أساسية تتمثل في تعزيز الاستقلال المالي لهاته الجماعات الترابية، فالاستقلال يشكل جوهر ومعيار نجاح أو فشل النظام اللامركزي الذي تأسس على تخويل هاته المجالس المنتخبة حرية واسعة في تدبير شؤونها.

وعن تحليل الاستقلال المالي للجماعات الترابية وحدوده، تطرق الحجيرة إلى النقطة المتعلقة بالسياقات التي يظهر فيها تدبير الشأن العام الترابي في المغرب داخل دائرة النقاش العميق والنقد المتزايد، فإذا نظرنا كون المشرع اعترف بشكل عام للجهة بالشخصية المعنوية والاستقلال المالي والإداري في تدبير شؤونها الترابية وطبعا الرفع من مساهمتها في تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية وزودها بالإمكانيات والوسائل القانونية والبشرية والتدبيرية لأداء رسالتها التنموية، فإن النتائج المتوصل إليها من خلال تحليل بنية المالية الترابية (الشق المتعلق بالموارد، النفقات ..)، يظهر أن هاته البنية تعتريها مجموعة من الاختلالات والثغرات التي تضعف الاستقلال المالي للجهة بشكل عام وتحد من فعالية ونجاعة التدبير العمومي الترابي بشكل خاص.

وقال الباحث في المالية والتنمية: “إن نجاح اللامركزية لا يتوقف على تخويل هاته المجالس الترابية اختصاصات متعددة وواسعة، بل الأهم أيضا هو تمكينها من الوسائل المالية الضرورية اللازمة لتسييرها، لأن أي عملية لتوسيع الاختصاصات بدون إعادة توزيع الوسائل المالية بين الدولة والجماعات الترابية على أساس التوازي، سيؤدي لا محالة إلى نقل اختصاصات نظرية وصورية إلى هاته الجماعات الترابية”.

فمن غير المجدي في نظري، يضيف الحجيرة، القول بأنه يجب منح الاختصاصات والبحث لاحقا وبصفة تدريجية عن الموارد المالية على اعتبار أن إسناد مسؤوليات جديدة لا يمكن أن يتم بدون ضمانات، وهاته الضمانات تتمثل في المبدأ القائل: “بأن لا يمكن إسناد الاختصاصات دون إعطاء الوسائل الضرورية سواء كانت مالية أو بشرية التي يستلزم أن تكون في مستوى وحجم المسؤوليات الملقاة على عاتق المجالس الترابية بشكل عام”.

قد تتشابه المبررات سواء كانت اقتصادية، اجتماعية أو سياسية لكل من الاستقلالية المالية والاستقلالية الترابية، يقول أحد المفكرين: “مهما امتلكت السلطة المركزية من علماء ومفكرين لن يتمكنوا من الإلمام بتفاصيل شعب كبير”.

وبالتالي إذا كان الهدف من اللامركزية هو تنزيل الديمقراطية على عدة مستويات كتقريب الإدارة من المواطنين أو البحث عن التجاوب مع الاحتياجات المتزايدة للساكنة أو توزيع المسؤوليات والموارد المالية بين الدولة والجماعات الترابية وتحقيق التنمية الترابية بواسطة هاته الهيئات المنتخبة. فإن الاستقلال المالي لهذه الوحدات اللامركزية يعتبر مظهرا من مظاهر الاستقلالية الترابية بشكل عام وهو أيضا المحرك الأساسي للعملية التنموية من جهة ثانية.

ولذلك، فبدون موارد مالية ذاتية، لا يمكن لهاته المجالس التداولية تنفيذ برامجها التنموية على المستوى الترابي عموما. كما يضع ذ.بيير لاليمييغ 3 مؤشرات أساسية لتأسيس الاستقلال المالي الترابي أولها توفر الجماعات الترابية على مصادر تمويلية أساسية تمكنها من تمويل تدخلاتها وأنشطتها التنموية، ثانيها هو توفر الجماعات الترابية على “حرية” تحديد مواردها ونفقاتها، ثالثها هو إلغاء الرقابة القبلية على القرار المالي الترابي وتكريس الرقابة البعدية.

طبعا أمام تعدد هذه التعريفات التي أعطيت للاستقلال المالي للجماعات الترابية يمكن القول أن هذا المفهوم يحتل مكانة أساسية في النظام اللامركزي، هاته الأهمية المتعلقة بالجانب المالي في المجال اللامركزي تدفعني، يضيف الحجيرة، لوضع تعريف مبسط للاستقلال المالي الترابي والإشارة إلى بعض المؤشرات التي ترتبط بهذا المفهوم.

وعن مدلول الاستقلال المالي، فإذا كانت التنمية الاقتصادية والاجتماعية على المستوى الترابي هي الغاية، فإنه يشكل الوسيلة التي تستند عليها الجماعات الترابية بشكل عام لتمويل تدخلاتها الاقتصادية، ونجاح الديمقراطية المحلية رهين بحجم وقوة الاستقلال المالي لهاته الجماعات، وهذا الاستقلال يقاس بتوفر مجموعة من المؤشرات منها وجود موارد مالية فعالة لتمويل الميزانية الترابية، إضافة إلى انعدام الخصاص المالية للجماعات الترابية، يكفي الإشارة إلى هذين المحورين ونطرح معهما السؤال: هل نتوفر على المستوى الوطني على جماعات ترابية لها من الموارد المالية الذاتية والفعالة والتي تمكنها من تحقيق الغايات التي من جاءت من أجلها في القوانين التنظيمية، يسترسل الحجيرة.

من الأكيد أن تحقيق اللامركزية لا يتوقف فقط على تخويل هذه الاختصاصات وإنما يشمل البحث على تحقيق التنمية على المستوى الترابي بالنظر إلى حجم الموارد المالية المتوفرة، فعلى سبيل المثال فمجموع الاستثمارات التي تقوم بها الجماعات الترابية (الجهات، مجالس الأقاليم والعمالات، الجماعات القاعدية)، لا تتجاوز 10 في المائة من مجموع الاستثمارات التي تقوم بها المصالح التابعة للميزانية العامة للدولة. فهل تستطيع هذه النسبة تحقيق الغايات الكبرى للتنمية المنشودة والتي توجد في صميم الاختصاصات الذاتية، المشتركة، أو المنقولة لهذه الجماعات الترابية؟.

وبخصوص الاستقلال المالي دائما، أشار عضو الفريق النيابي للأصالة والمعاصرة، إلى أن هناك جماعات ترابية قليلة، على المستوى الوطني، تتوفر على موارد ذاتية تستطيع من خلالها مباشرة اختصاصاتها، موارد يتيحها المجال الجغرافي حيث توجد هذه الجماعات، فهناك بعض الرسوم التي لا يمكن لبعض الجماعات الاستفادة لكون مجالها الترابي لا توجد فيه معادن وليس له منافذ على البحر.

وأكد المتحدث في سياق مرتبط على أنه بدون استقلال مالي للوحدات الترابية تصبح اللامركزية خيارا محدودا، وبالتالي فالاستقلال المالي له دلالة أساسية تتمثل في انعدام الحاجة المالية للجماعات الترابية وعدم معاناتها من أي خصاص مالي يجعلها في حاجة لدعم الدولة ومضطرة أكثر للالتزام بتوجيهات السلطة المركزية وهذا ما لا يدعم استقلالها للتحكم في الموارد المالية. مضيفا أن ترشيد الجماعات الترابية لإنفاقها يجعلها مستقلة في قرارتها واختياراتها التنموية على الصعيد الترابي في إطار النسق الوطني وفي إطار ما تريده الدولة على المستوى الوطني ضمن هذا التناغم التنموي الذي يمكن أن يكون فيه نوع من التكامل ما بين الجماعات الترابية على المستوى الترابي، وهذا الطرح يزكيه تمتع هاته الجماعات الترابية بالشخصية المعنوية والاستقلال المالي والإداري في تدبير شؤونها. وختم الحجيرة حديثه بالإشارة إلى أن هذا الخيار الاستراتيجي في بلادنا يبقى محدودا في ظل الخصاص المالي الذي تعاني منه المجالس المنتخبة نتيجة ضعف الوسائل التمويلية التي تبقى دائما المعضلة الكبرى أمام كل عمل تنموي ترابي.

[arve url=”https://youtu.be/rke7IGS7gDU” /]

مــــراد بنعلي

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.