علي لطفي يكتب شهادة في حق المناضل السياسي والنقابي الدكتور عبد المجيد بوزوبع

0 1٬067

باسم الله الرحمن الرحيم

« من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه، فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر، وما بدلوا تبديلا»

صدق الله العظيم

من الصعوبة بمكان الادلاء بشهادة في حق هرم كبير، من قامة وهامة أخينا المرحوم الدكتور عبد المجيد بوزوبع، وتعداد مناقبه وخصاله، ومساره النضالي والكفاحي السياسي والنقابي والحقوقي والاجتماعي، في أصعب الفترات من التاريخ السياسي للمغرب التي تميزت بأشرس فترات الصراع الطبقي السياسي. ولن اكفيه ما يستحق في استحضار نضالاته و التزاماته المهنية الواسعة النزيهة والقريبة جدا من فقراء الأمة .

في هذه الشهادة المتواضعة أجدني عاجزا عن ان أوفي المرحوم الدكتور عبد المجيد بوزوبع حقه من الإشادة بما قدمه من خدمات جليلة لوطنه ولأمته، خدمة لقضايا وهموم الطبقة العاملة و مساهمة في بناء وتطوير المسلسل الديمقراطي ببلادنا عبر النضال والمقاومة الاجتماعية، من خلال مواقفه النبيلة ونضاله المستميت في أصعب لحظات الصراع السياسي، طيلة ما سمي بسنوات الجمر والرصاص؛ لن أتمكن بطبيعة الحال ان أسرد جميع مناقبه وخصاله ومساره النضالي، رغم انني كنت قريبا منه طيلة ازيد من اربعين سنة، وتتلمذت على يديه وتعلمت منه أبجديات النضال النقابي والسياسي، منذ بروز اول حركة جنينية لتأسيس حركة نقابية بقطاع الصحة، التي تحمل فيها المرحوم مسؤولية كاتبها العام فضلا عن مساهمته الكبرى في تأسيس الكونفدرالية الديمقراطية للشغل وتحمله مسؤولية نائب الكاتب العام لهذه المركزية إلى جانب رفيق دربه الأستاذ نوبير الأموي اطال الله في عمره، هذا إضافة الى العمل المهني المشترك الدي كان يجمعني واياه في عصبة القلب والشرايين بمستشفى ابن سينا بالرباط. غرس فينا المرحوم قيم ومبادئ النضال الاجتماعي من اجل كرامة العيش والحرية والديمقراطية الحقيقية.

ففي هذه الشهادة المتواضعة لن استطيع أن أوفي المرحوم الدكتور عبد المجيد بوزوبع حقه كاملا في هذا المسار الغني والشائك، ويسجل التاريخ انه كان مهندسا وقائدا لأقوى الحركات الاجتماعية التي عرفتها بلادنا منذ تأسيس النقابة البديل المتمثلة في الكونفدرالية الديمقراطية للشغل، بدءا بإضرابات التعليم والصحة في 10 و11 ابريل 1979 والاضراب العام التاريخي ل20 يونيو 1981 والاضراب العام المشترك ل14 دجنبر 1990. كما قاد لجنة التنسيق الوطنية والدولية لرفع الاعتقال عن المناضل نوبير الأموي الذي اختطف من مقر المركزية في 24 ابريل 1992 و حوكم هو ورفاقه النقابيون واليساريون، وتم اعتقال عبد المجيد بوزوبع مباشرة بعد عقده لندوة صحفية بفندق بالعاصمة الرباط و صدر حكم بسجنه لمدة سنة.

عبد المجيد بوزوبع هرم كبير ومناضل من العيار الثقيل، وهب حياته من أجل خدمة قضايا الوطن والمواطنين وقضايا الطبقة العاملة وعموم المأجورين وكل القضايا التي يؤمن بها، في الكفاح والنضال الاجتماعي والسياسي في أبهى صوره وبأخلاق عالية وحوار هادئ وبإيمان قوي بالمبادئ الانسانية والقيم الحضارية والوطنية في خدمة قضايا المواطنين وقضايا الوطن ووحدته وتماسكه واستقرار؛ كم يستعصي علينا كمناضلين عاشروا الفقيد عن قرب أن نتحدث عن أخينا وأستاذنا ومربينا وفقيدنا وفقيد الطبقة العاملة المغربية وفقيد الوطن المناضل الشريف الأستاذ الطبيب الدكتور بوزوبع، الذي خصص القسط الأكبر من حياته للنضال السياسي والنقابي والحقوقي والمهني، وظل طيلة حياته يحظى بتقدير واحترام كبيرين من لدن جميع زملائه الأساتذة في الطب وطلبته في كليات الطب والصيدلة وجراحة الأسنان لكفاءته العالية وخبرته وتجربته المتميزة وطنيا ودوليا، حيث جايله أساتذة كبار على المستوى الوطني والدولي، منهم الدكتور الشيخ بيد الله وزير الصحة السابق والدكتور مولاي احمد العراقي، والدكتور العلمي وزير الصحة السابق، والدكتور رشيد البقالي مدير مؤسسة للاسلمي لمحاربة السرطان، والدكتور سورات عبد الرحيم طبيب مختص في القلب والشرايين، وفعاليات طبية وصحية وطنية ودولية ستظل تذكره وتسجل بماء من ذهب ميراثه المهني والانساني. كما جايله زعماء سياسيون كبار منهم عبد الرحيم بوعبيد، عبد الرحمان اليوسفي، والفقيه البصري رحمة الله عليهم، ونوبير الأموي، ومحمد اليازغي وفتح الله ولعلو و المحامي خالد السفياني وسي محمد الساسي و عبد القادر ازريع، وغيرهم من القامات والقيادات السياسية والنقابية الاشتراكية واليسارية والديمقراطية التي عرفها المغرب .

لقد كان الفقيد طبيبا، أستاذا، مربيا، مؤطرا و مناضلا ذا فكر ثاقب ورؤية مستقبلية، ثابتا على مبادئه ومثله العليا، ومتشبثا دوما بمواقفه وقناعته الراسخة التي تتماشى مع مبادئ الديمقراطية والحرية والمساواة والعدالة الاجتماعية وحقوق الانسان، نبراسه الالتزام والتضحي يشتغل بروح التحدي والصمود ونكران الذات، والتمسك بالثوابت الاشتراكية والحضارة الإنسانية الراقية، الى درجة انه شكل بالنسبة للكثيرين نموذج المناضل المثالي الشريف والنظيف والنزيه؛

✓عبد المجيد طبيب الفقراء والكادحين والمعتقلين السياسيين:

ظل اسم بوزوبع مرادفا لطبيب القلب وطبيب الفقراء والكادحين والمناضلين وأسرهم والمعتقلين السياسيين وأسرهم؛ وقد ظل اسمه منحوتا في إذاعة طنجة مع الصحفية المقتدرة أمينة السوسي أطال الله في عمرها، والصحفي المقتدر المرحوم خالد مشبال، ومع أحد المحسنين في تمويل وتغطية نفقات عمليات جراحة القلب والشرايين التي استفاد منها مجانا عدد كبير من المرضى الفقراء.

*عبد المجید بوزوبع المناضل الشریف والنزیه:

لقد ظل اسمه مرادفا للنضال والمقاومة والاحتجاج ضد كل أشكال القمع والظلم والفساد السیاسي، وانحیازه المطلق واللامشروط لھموم وقضایا الطبقة العاملة المغربیة،
ولضحایا حقوق الانسان، ویعتبر من كبار المؤسسین للجمعیة المغربیة لحقوق الانسان، وعضوا فاعلا في أول مجلس استشاري لحقوق الانسان، مناصرا لحقوق الانسان، ومتشبثا بالعفو عن كافة المعتقلین السیاسیین “یساریین واسلامیین” دون استثناء، مناضلا مھندسا وقائدا للمعارك النضالیة والاحتجاجات الاجتماعیة الوطنیة التي عرفھا المغرب منذ بدایة السبعینات الى الأیام الأخیرة من حیاته بدءا بالاضراب البطولي للتعلیم والصحة ل 10و11 سنة 1979 الذي عرف عملیات الطرد والتسریح الجماعي والاعتقالات، والاضراب العام ل20 یونیو 1981، والاضراب العام الشھیر ل 14 دجنبر 1990 ضد الزیادة في الأسعار، وقد قاد كل ھذه المعارك إلى جانب رفاقه في الكونفدرالیة والیسار المغربي من أجل اعلاء قيم الدیمقراطیة والعدالة الاجتماعیة والعیش الكریم للطبقة العاملة.

عبد المجید بوزوبع الانسان :

لقد اجتمعت في الفقيد كل الصفات والقیم الإنسانية، والخصال الطیبة والتواضع، بطبعه البشوش لا تفارقه الابتسامة حتى في لحظات الغضب من المحاور الخصم ؛ المحب للناس ولفعل الخیر ، كان رجلا مثقفا واعيا بقضایا شعبه ومواطنیه وأمته، مناضلا ملتزما ومخلصا ومؤمن للقيم الأخلاقية الكونية والإسلامية صبور ھادئ ومفاوض ومدافع شرس لا يقبل التنازل عن حقوق العمال والعاملات مؤمن بالمبادئ التي یناضل من أجلھا، وهي الخصال التي جعلت منه شخصية وطنية محبوبة ورجلا محترما یحظى بقدر كبیر من التقدیر، حتى أن سمعته الطیبة كانت دائما تسبقه حیثما حل وارتحل. طلب منه مرتين ان يتحمل مسؤولية وزارة الصحة واعتدر بطريقته المعهودةة. لكون شروط المشروع المجتمعي الديمقراطي الذي يناضل من أجله لم يتحقق بعد .

المناضل المكافح المخلص لقضايا وطنه وقضايا وهموم الجماهير الشعبية والعمالية.

بدء نضاله في صفوف الحركة الطلابیة في الاتحاد الوطني لطلبة المغرب، ثم عمید للأطباء الداخلیین، وصولا إلى مواقع متقدمة في الھرم السیاسي والنقابي، كعضو المكتب السیاسي لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، ونائب الكاتب العام للكونفدرالیة الدیمقراطیة للشغل، ثم أمینا عاما لحزب المؤتمر الوطني الاتحادي والحزب الاشتراكي، وعمل على تأسیس عدة حركات اجتماعیة وحقوقیة، وعلى رأسھا المنظمة الدیمقراطیة للشغل،التي يعتبر ابها الروحي والجمعیة المغربیة لحقوق الانسان، والجمعية الوطنية لمساندة الكفاح الفلسطيني ومجموعة العمل الوطنية لدعم فلسطين والعراق ابان الحصار إن رحیله یمثل خسارة فادحة للساحة السیاسیة والنقابیة والحقوقیة، فقد فقدت فيه السیاسة أحد أنبل وأشرف وأنظف رجالاتھا، و فقدت فیه الطبقة العاملة واحدا من أشرس المدافعین عن قضایاھا وھمومھا، وفقدت فیه الشغیلة الصحیة احد اعمدتھا التاریخیین، وفقدت فیه الأسرة الحقوقیة، مناضلا كبیرا مدافعا عن حقوق الإنسان وإقرار دولة الحق والقانون.

فنم قریر العین أخانا الدكتور عبد المجید بوزوبع بما أنجزت وعملت يداك، ولیجازك الله عن ذلك خیر الجزاء ولیتقبلك بواسع مغفرته، ویكلأك بشآبیب رحمته، ولیدخلك فسیح جناته رفقة الأنبیاء والصدّیقین والشھداء والصالحین، ولیرزق أھلك وذویك وكلّ من عرفك جمیل الصبر والسلوان؛

“یا أیتھا النفس المطمئنة إرجعي إلى ربّك راضیة مرضیة فأدخلي في عبادي وادخلي جنتي

علي لطفي
الكاتب العام للمنظمة الديمقراطية للشغل
رئيس الشبكة المغربية للدفاع عن الحق في الصحة والحق في الحياة

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.