فــــــي مــفـهـــــوم الديمـــقـــــراطيـــــة الاجــــتمـــــاعيــــة (1)

0 1٬006

ذ. جمال مكماني

تقــــــــــــــــــــديـــــــــــــــــــــم:

تعتبر “الديمقراطية الاجتماعية” هي الخيار الفكري والسياسي والثقافي لحزب الأصالة والمعاصرة، وهذا يدفعنا جميعا كمنتسبين للحزب، من أجل القيام بمجهود فكري وسياسي لمواكبة التطورات التي لحقت هذا الزوج المفهومي عبر العالم، وكذا تبسيط وتقريب الفهم للمناضلات والمناضلين، حتى يحصل التمكن المطلوب من ذلك. ومثل هذه المواضيع ينبغي أن تتبوأ المكانة الأولى ضمن أولويات الحزب، حيث لا يمكن لنا إنتاج مواقف الحزب بشكل سليم من القضايا الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والثقافية والبيئية المطروحة أمام مجتمعنا بدون تمكن حقيقي من مرجعية الحزب.
إن خلق الفضاءات المناسبة والمتنوعة للاسهام في تكوين المناضلات والمناضلين، عبر تكثيف الانتاجات الفكرية بمبادرة من أطر وكفاءات الحزب، سوف يرفع لا محالة من منسوب وعينا الجماعي بأهمية التكوين الذاتي في مسار مناضلات ومناضلي الحزب، كما سيجعل من الحزب مؤسسة للتأطير والتكوين وخلق النخب السياسية.

أولا : سياق ظهور الديمقراطية الاجتماعية.

لقد أبانت التحولات التاريخية والاجتماعية المعاصرة عن قصور المنظومات الفكرية والسياسية والاقتصادية الكلاسيكية (الاشتراكية والليبيرالية) في تحقيق ما بشرت به بخصوص العدالة الاجتماعية وبناء مجتمع المساواة وتكافؤ الفرص، وهو ما ساهم في فقدان الإيديولوجية السياسية لبريقها نتيجة خفوت التقدير السياسي من طرف المواطنين للفاعلين السياسيين، وبالتالي تقادم أسطوانة اليمين واليسار. كما أن بداية ظهور جماعات مبادرة من المواطنين تبادر دون انتظار مبادرة السياسيين، بدت أكثر مصداقية في خطابها من صدقية خطاب الفاعل السياسي وفق ثنائية اليسار واليمين، وبذلك باتت تنفرد بأسباب القوة مثل: حركة الحقوق المدنية بأوروبا والحركة الطلابية والحركات النسائية التحررية وحركة حماية البيئة… ومن بين ما ميز هذه الحركات الاجتماعية الصاعدة الجديدة حسب ألان تورين “أنها لم تعد أداة في يد الغير لاستغلالها أو استخدامها، إذ أنها كانت تحمل وتعبر عن مشاكل ذات طبيعة عالمية. كما أنها عبرت عن اعتراضات وتظاهرات باسم الضمير والأخلاقية بعيدا عن التعبير أو الدفاع عن المصالح المباشرة لجماعات اجتماعية محدودة أو معينة”، بحيث بداية تشكل خطاب سياسي جديد يروم المطالبة باصلاحات سياسية تشمل كل أطياف المجتمع وليس الدفاع عن فئة اجتماعية بعينها، والمطالبة أيضا باعادة التوزيع الاقتصادي والتوسع في تحيين حقوق المواطنة. وعل مستوى المنهج المستخدم في معالجة المشاكل واقتراح الحلول بدأ التركيز على حل أمور محددة بدل التركيز على تقديم حلول عامة.

لقد تحول مفهوم الصراع في المجتمعات ما بعد الصناعية حيث لم يعد مؤطرا باسم الحقوق السياسية أو حقوق الطبقة العاملة، ولكن أصبح لأجل حقوق الأفراد في اختياراتهم والتحكم بحياتهم الخاصة نتيجة الأهمية المتزايدة للنزعة الفردية وتنوع أساليب الحياة، حيث أصبحت نوعية الحياة هي المحدد الأساسي في تصنيف تقدم الدول، وعن طريقها يتم تقدير مدى نجاح الحكومات أو فشلها. وبذلك ظهرت أشكال جديدة من الصراع حسب ألان تورين، وهي أشكال ثقافية وليست اقتصادية، لنكون بذلك أما براديغم جديد يتجاوز البراديغم القديم الذي هيمن لمدة تفوق قرنين من الزمن، وسيصبح التعليم والتدريب والمعلومات والتصميم وغيرها أمورا مركزية في عملية الانتاج.
ومن أجل توضيح سياق انبثاق هذا الجديد، سوف نورد جدولا للمقارنة بين أحزاب اليسار القديم وأحزاب اليمين، كما صاغة أنتوني غيدنز وهو عالم اجتماع معاصر مهتم بالتحولات الاجتماعية:

هذه هي أهم الخصائص التي ميزت ما بين أحزاب اليمين وأحزاب اليسار مع تواجد بعض الاختلافات الطفيفة بين هنا وهناك، لكن يمكن أن نجازف بالقول أن النقطتين التي تلتقي فيها أحزاب اليمين واليسار (وعي بيئي منخفض والانتماء الى عالم ثنائي القطبية) وكذا الاحتفاض بالنقط الايجابية لديهما، سوف تحفز كثيرا على طرح الأسئلة التوجيهية الكبرى من داخل الحقل السياسي بغية إعادة استرجاع زمام المبادرة من طرف الفاعل السياسي ومن بينها :

– ما المعمول أمام ثنائية يسار/يمين التي لم يعد لها أي معنى؟

– كيف يمكن دمج قضية البيئة في ممارسة سياسية جديدة؟

– كيف يمكن التعامل مع العولمة كأمر واقع؟

– كيف يمكن التعامل مع تحول المجتمعات الى مجتمعات أكثر فردية ( النزعة الفردية)؟

البحث عن أجوبة على هذه الأسئلة التوجيهية الكبرى هو الذي سوف يؤدي إلى ظهور الطريق الثالث (الأحزاب الديمقراطية الاجتماعية) والتي حددت هدفها العام غيدنز في تقديم المساعدة للمواطنين لكي يشقوا طريقهم أمام اكراهات الثورات الرئيسة للعصر والمتمثلة في:

– الاقتصاد الحر (العولمة)؛

– التحول في الحياة الشخصية (النزوع نحو الفردانية والتخلي عن النزوع نحو ما هو جمعي)؛
– العلاقة مع البيئة سواء في شقها المتعلق بالطبيعة أو المتعلق بالجسد (مسألة الرعاية الصحية).

الديمقراطية الاجتماعية هي الإطار المرجعي للتفكير وصناعة السياسات التي تهدف إلى ملاءمة بنية الاقتصاد مع عالم تعرض لتغيرات جذرية خلال العقود الأخيرة؛ هي إذن طريق ثالث لتجاوز الاشتراكية والليبيرالية.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.