أي معارضة تحتاجها بلادنا اليوم؟

0 625

بقلم: عبد السلام شركوك؛ عضو المجلس الوطني

مبعث هذا المقال، تصريح السيد إدريس لشكر الكاتب الأول لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية الذي يفترض فيه الآن قيادة المسار النقدي للمعارضة البرلمانية في تفاعلها مع التدبير الحكومي، أدلى به في برنامج حواري على برنامج “بلا قيود” الذي بُث مؤخرا على قناة BBCNEWS عربي.

لم يجد السيد إدريس لشكر من طريقة لانتقاد الحكومة سوى القول: “إن التحالف الأغلبي من ثلاثة أحزاب، قطع الطريق بشكل نهائي، أمام أي قدرة على تقديم ملتمس رقابة”، فمنذ متى كان وجوبا على الأغلبية قبل جمع تحالفها الحكومي، استحضار النصاب العددي لممارسة الآلية الدستورية المتعلقة بملتمس الرقابة من قبل المعارضة؟ ومنذ متى كان على عاتق هذه الأغلبية توفير النصاب لممارسة هذا الحق الأصيل للمعارضة؟.

وهل طرح هذا الإشكال هو انتقاص من الموجه إليه السؤال أم هو نقيصة في حق طارح السؤال نفسه؟ وفي هذا السياق ألا يمكن موضوعياً أن نستنتج من مثل هذه التصريحات، تهرب المُصَرِّحْ من القيام بمسؤولياته الجمة التي تؤطرها الأدوار الدستورية المفترضة من قبل المعارضة؟.

في الواقع لا يمكن أن نفصل الإجابة عن هذا الإشكال المُصَرَّحُ به من المعني بالأمر !عن المكانة المفترضة للمعارضة دستوريا، إذ لا يستحضر عمليا أن المشرع المغربي بوأ المعارضة مكانة دستورية لتساهم في بناء الديمقراطية الوطنية، إذ خصها في الفصل 10 من الدستور بمجموعة من الحقوق وضمانات العمل الجاد والمسؤول، بل “القيادي ” ! يتطلع راجياً مشيئة الله في استدامة رئاسته للمعارضة عبر سعيه الحثيث للظفر بالولاية الثالثة على رأس حزبه ليس إلا، وهذا حقه داخل حزبه الذي لاشأن لنا به.

اليوم نحن في أمس الحاجة إلى إعادة الاعتبار للمعارضة، عبر تجسيد قِيَمِهَا الأصيلة وأخلاقياتها الرفيعة وأدوارها الطلائعية، بعد أن لوحظ في العشرية الأخيرة حجم التهافت على المشاركة في الحكومات، من قبل شريحة واسعة من مختلف التيارات السياسية، ونَيْلُ “فضل” الانتماء للأغلبية حسب ما يفهم من هذا التقدير السياسي.

وبإمعان التأمل والنظر في التشكيلة الحكومية التي أفرزتها المحطتين التشريعيتين الأخيرتين (من 2011م إلى 2021م) نجد كل الأحزاب السياسية ممن كان لها فرق برلمانية شاركت في حكومتي بنكيران الأولى والثانية، وحكومتي سعد الدين العثماني الأولى والثانية.

والاستثناء جَسَّدهُ حزب الأصالة والمعاصرة الذي أكد موقفه الواضح والصريح في المحطتين التشريعيتن السابقتين مباشرة بعد ظهور النتائج، بالاصطفاف في المعارضة نظير الانتصار الانتخابي الذي حققه غريمه السياسي حينذاك في سياق التدافع المعلوم بمرجعياته المعروفة.

بلادنا اليوم في حاجة إلى معارضة قوية تساهم في مواجهة التوترات الاجتماعية الناجمة عن الظروف التي يعيشها العالم، وذلك من خلال التعبير عن نبض الشارع وحاجيته وهمومه في المؤسسات الدستورية، فضلا عن تجويد مشاريع قوانين الحكومة إن أمكن وممارسة حق المشاركة في التشريع عبر مسطرة تسجيل مقترحات القوانين.

إن من واجب المعارضة (واجب وليس حق فقط)، فتح النقاش العمومي في مختلف القضايا الجارية، من خلال حيزها القانوني في الإعلام، شريطة الابتعاد عن المناكفات السياسية الفارغة التي من شأنها إضعاف الفاعل الحزبي والسياسي أمام الجمهور.

وبالعودة للإشكال الذي طرحه “زعيمنا”، فمن نافِلة القول، أن ملتمس الرقابة ليس بسدرة المنتهى التي يتنهي معها عمل المعارضة وتنزل بعدها للخمول والعيش في بؤس سياسي يثير الاشمئزاز، فإن لم يتوفر للمعارضة ممارسة هذا الحق، فلماذا لا تمارس باقي حقوقها؟ مثل المساهمة الفاعلة في العمل البرلماني، والمساهمة في تأطير المواطنات والمواطنين، والدفاع عن قضايا الوطن المصيرية عبر الدبلوماسية الموازية، أو أن تعمل على إبراز وتنزيل ما ذكرناه سالفاً، وغير ذلك..
فهل طرح مثل هذا الإشكال، هو جهل بالحقوق؟ أم مجرد مزايدات؟.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.