فــــــي مــفـهـــــوم الديمـــقـــــراطيـــــة الاجــــتمـــــاعيــــة  (2) 

0 653

جمال مكماني

ثانيا : خصائص الديمقراطية الاجتماعية.
يمكن تحديد أهم القيم الأساسية للديمقراطية الاجتماعية في الآتي:

الحرية: من منظور استقلالية نسبية للذات أي الاستقلال النسبي للفعل مع الحرص على الدعوة إلى الانخراط في الجماعة الاجتماعية الأوسع. بما يقتضيه ذلك من انفتاح عن العالم والايمان بالقيم الكونية.

الديمقراطية: لا سلطة دون ديمقراطية وبذلك الدعوة إلى إعمال الديمقراطية في جميع مناحي الحياة لأنها هي الطريق الوحيد لبناء أي سلطة.

المساواة: عدم تحقيقها يعتبر تهديدا دائما للتماسك الاجتماعي، لذلك ينظر اليها من داخل أدبيات الديمقراطية الاجتماعية من زاوية الاستيعاب وليس الاستبعاد. الاستيعاب حسب أنطوني غيدنز يعني المواطنة بمفهومها الواسع، الحقوق والواجبات المدنية والسياسية؛ التي ينبغي أن يتمتع بها كل أفراد المجتمع، ليس من الناحية الشكلية وإنما كحقيقة. بينما الاستبعاد فهو حينما يتم وضع شروط استبعاد الفئة المهمشة، وجعلها خارج الفرص التي يوفرها المجتمع، أو حينما تنسحب بعض الجماعات البشرية من النظم العامة واختيار العيش في عزلة عن المجتمع.

التضامن الاجتماعي: أكثر الجماعات أهمية في هذا الموضوع ليست جماعة الأغنياء فقط، وإنما كذلك الطبقة المتوسطة لكون أنها الأقرب إلى الخط الفاصل الذي يتهدد الواقفون من بعده بالانسحاب من المجال العام، سواء الأغنياء أو الفئات الهشة. ولذلك نجد أن الديمقراطيين الاجتماعيين يجعلون من العمل على تحسين نوعية التعليم العام، والمحافظة على الخدمات الصحية ذات التمويل الجيد، وتوسيع أماكن الترفيه العامة والسيطرة على معدلات الجريمة، على قائمة الأولويات.

لا حقوق دون مسؤوليات: هنا ضرورة ربط مسألة الحقوق بالمسؤولية القانونية والأخلاقية للشخص، وهنا يعطي غيدنز مثالا بالتعويض عن البطالة الذي تدفعه الحكومة، حيث ينبغي أن يصاحبه التزام بالبحث الدؤوب عن العمل حتى لا تصبح الدولة تشجع خمول وكسل المواطنين، وحتى لا يتحول التعويض إلى مصدر لخلق البطالة.

إن هذه القيم التي تناشدها الديقراطية الاجتماعية، تتولد عنها العديد من القضايا التي تنتصب أمامها وتصعب من مهمة وصولها إلى مبتغاها. فمن بين التحديات الكبرى المطروحة أمام الديمقراطيين الاجتماعيين نجد مسألة التفكير في كيفية إنعاش الحقل السياسي وإرجاع المثالية السياسية إلى الحياة السياسية، وهذا الأمر لم يعد مرتبطا بمشكل محلي بل محكوم بأحداث تجري عالميا. ثم أيضا كيفية توفير الحماية الاقتصادية والاجتماعية للفئات المتضررة من مخلفات عولمة الاقتصاد، وكذا التفكير في توسيع دائرة المجال العمومي بالاعتماد على الشفافية والانفتاح ومحاربة الفساد والرفع من الكفاءة الإدارية.
لقد تزايدت الضغوطات أيضا على نموذج الدولة الذي ينادي به الديمقراطيون الاجتماعيون، نتيجة ارتفاع وثيرة الإنفاق العمومي، مما دفعهم إلى الاجتهاد في حل الاشكالات المطروحة كل وفق خصوصيته، وهذا أدى إلى تسجيل اختلافات بين التجارب الدولية صعب من مهمة الحصول على نموذج محدد بالإمكان التقيد به في مسار باقي التجارب الدولية.
انطلاقا مما تم التطرق له على مستوى القيم الأساسية للديمقراطية الاجتماعية وكذا القضايا المطروحة أمامها، سوف تتولد ملامح برنامج عمل الطريق الثالث كما صاغه أنطوني غيدنز وهو على الشكل الآتي:

الدولة الديمقراطية الجديدة (دولة بلا أعداء)؛

مجتمع مدني نشيط؛

الاقتصاد المختلط الجديد: وهو اقتصاد يسعى إلى تحقيق التعاون والتكامل بين القطاعين العام والخاص؛

المساواة كأداة للاستيعاب وليس الاستبعاد؛

دولة الرفاهية الإيجابية (لا حقوق دون مسؤوليات)؛

دولة الاستثمار الاجتماعي (الاستثمار في الرأسمال البشري وليس توفير الخدمات الاقتصادية بشكل مباشر)؛

الأمة الكونية؛

الديمقراطية الكونية.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.